جيسون موتلاغ يشعر عثمان حسن بالسكينة والارتياح اليوم لأنه انتقل للعيش بمدينة حيث لن يتسبب اسمه الأول في قتله. إنه سُني، سُمي عثمان تيمناً بالخليفة عثمان بن عفان. ولكنه اسم قد يجر على قاتله القتل في بغداد حيث تستمر الشروخُ والتصدعات المذهبية في تقسيم المدينة. وقد فر عثمان من العاصمة العراقية بعد أن قُتل شقيقه الأكبر عمر، الذي سمي كذلك تيمناً بالخلفية عمر بن الخطاب، من قبل مسلح مجهول. ويعتقد عثمان أن شقيقه قُتل من قبل المتشددين الشيعة لأنه يحمل "الاسم الخطأ"، حسب رأيهم. وفي هذا السياق يقول عثمان: "كل مرة أغادر فيها المنزل، أقوم بتوديع عائلتي"، مضيفاً "فسواء ذهبت إلى البقال، أو خرجت لألتقي بصديق، كان الخوف دائماً يلازمني خشية حدوث ما لا تحمد عقباه". منذ أن انتقل إلى أربيل في المنطقة الكردية شمال العراق قبل ثلاثة أشهر لبدء العمل في فندق جديد، استُبدل القلق والجزع اللذان لم يكونا يفارقان عثمان بابتسامة عريضة يستقبل بها ضيوفه الذين يأتي الكثير منهم من مناطق في الجنوب كذلك سعياً وراء الأمن والسلام. فحسب إحصائيات الأمم المتحدة، يقدَّر عددُ العراقيين الذين نزحوا إلى مناطق أخرى داخل بلادهم منذ الغزو الأميركي عام 2003 بـ1.9 مليون شخص، وهو رقم يُتوقع أن يرتفع بنهاية العام الحالي إلى 2.7 مليون شخص. ففي أربيل وحدها، سجل "الهلال الأحمر" العراقي أزيد من 5000 عائلة -أو قرابة 30000 شخص- كلاجئين خلال السنتين الماضيتين فقط. وقد شكلت أزمة اللاجئين العراقيين -سواء الذين يهربون إلى بلدان مجاورة أو الذين ينزحون إلى مناطق أكثر أمناً داخل البلاد- محور مؤتمر نظمته الأمم المتحدة على مدى يومين في الأسبوع الماضي. وكان المفوض السامي للاجئين قد طالب بـ60 مليون دولار من أجل العمليات الإنسانية، موضحاً أن هذا الرقم لا يمثل سوى جزء بسيط مما تحتاجه المفوضية في الواقع. وحسب المتحدث باسم المفوضية، رون ريدموند، فإن المؤتمر يندرج في إطار جهود التوعية على الصعيد العالمي بمدى تدهور الوضع وخطورته. ويقول ريدموند: "يصيب اليأس اللاجئين على نحو متزايد بعد نفاد مواردهم وموارد مضيفيهم"، مضيفاً "إننا نأمل أن نسمع التزامات بخصوص جميع هذه الجوانب؛ ذلك أن على المجتمع الدولي أن يركز بشكل جماعي على جملة من الحاجيات الإنسانية". جدير بالذكر أن أغلبية ما يقدر بمليوني عراقي ممن فروا إلى بلدان مجاورة استقروا في الأردن وسوريا. وقد حاولت المفوضية السامية للاجئين مساعدة الكثير من اللاجئين المسجلين لديها على إيجاد بلدان مستقبِلة، إلا أنها لم تتمكن من إيجاد بلدان مضيفة سوى لـ404 لاجئ عراقي على الصعيد العالمي خلال الأشهر التسعة الأولى من 2006. وترى حكومة كردستان الجهوية، التي مُنحت حكماً ذاتياً لإدارة ثلاثة أقاليم ذات أغلبية كردية في الشمال، نفسها كنموذج للاستقرار وتقول إن حدودها مفتوحة في وجه العراقيين. وفي هذا الإطار، يقول قائد الشرطة عبدالله خيلاني: "هذا وطنهم، ومرحباً بالجميع"، مضيفاً "علينا أن نحترم أي شخص يقصدنا ويحتاج إلى مساعدتنا. إنهم أشخاص يعانون". والواقع أن دعامة هذا الأمن والسلام هو جهاز أمني يقظ، معززٌ بدعم شعبي كبير ومعايير وشروط صارمة؛ ذلك أنه على كل راغب في الدخول إلى المنطقة التوفر على كفيل كردي؛ وعلاوة على ذلك، يجتاز القادمون سلسلة من نقاط التفتيش لدى مجيئهم؛ وبعد ذلك، يذهبون مباشرة إلى "مديرية الإقامة" من أجل التسجيل، حيث يتم الاحتفاظ بالملفات الشخصية وتحديثها، إذ على المهاجرين العودة إلى هناك بانتظام والإبلاغ عن عملهم وأحوالهم المعيشية. وفي هذا السياق، يقول دانا غريبار، المسؤول المكلف بالنازحين داخل البلاد في "المنظمة الدولية للهجرة" إن العراقيين العرب الذين لديهم "مهنة أو ما يكفي من المال لتدبر أحوالهم في الشمال هم الذين يستطيعون الدخول إلى المنطقة. أما ما عدا ذلك، فمن الصعب عليهم الدخول"، وإن كان يتوقع استمرار تدفق اللاجئين على الشمال بسبب تردي الأوضاع في بقية مناطق البلاد. عثمان وصديقه عباس خفاجي، وهو لاجئ عراقي عربي آخر من بغداد، يشعران بأنهما مدينان لسليم عقراوي بالكثير لأن هذا الأخير، وهو أحد ملاك فندق ميلانو، عرض عليهما وظيفة قبل مغادرة بغداد. ويقولان إنه عاملهما معاملة الأب لأبنائه بدون اعتبارٍ لهويتهما العربية. بيد أن القيود المشددة والصارمة في الشمال الكردي تؤدي في أحيان كثيرة إلى معاملة عراقيين آخرين ممن هاجروا إلى الشمال معاملة مواطنين من الدرجة الثانية. "هناء"، على سبيل المثال، تعيش في بناية قديمة تبعد بنحو 10 دقائق بالسيارة عن فندق ميلانو، مع امرأتين أخريين من الجنوب. وقد فرت من بغداد قبل ثمانية أشهر هرباً من زوج متشدد تقول إنه كان "جد نشيط " في أعمال التمرد. فقصدت السليمانية، التي تعد ثاني أكبر مدينة في المنطقة الكردية، حيث أوجدت لها إحدى منظمات حقوق المرأة وظيفة. وقد قدمت مؤخراً إلى أربيل. غير أن "هناء" وجدت في أربيل -تقول صديقتها فيان الخالدي، وهي مدافعة عن حقوق المرأة من أسرة مختلطة عربية كردية فرت أيضاً من بغداد العام الماضي بعد مقتل سبعة من جيرانها في يوم واحد- "نوعا آخر من المعاناة"، حيث أفاضت "فيان" في تعداد مشاعر الإحباط التي تشعر بها الكثير من النساء اللائي جئن للبحث عن بداية جديدة. تقول "فيان" إن النساء اللاتي يضطررن للعمل من أجل كسب قوت عيشهن يجدن أنفسهن في أحيان كثيرة ضحية للاستغلال من قبيل وظائف ذات أجر زهيد، ومطالبتهم بخدمات قد لا تتماشى مع الأعراف، موضحة أنه بدون وظيفة دائمة، فإنهن قد يطردن إذ تقول بكثير من المرارة: "نحن عراقيات، ومع ذلك نحتاج إلى أذون من أجل البقاء... لقد بتنا غريبات في بلدنا". ــــــــــــــــــــــــ مراسل "كريستيان ساينس مونيتور" في أربيل- العراق ــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"