لا شيء في دنيا السياسة وأحداثها هذه الأيام، يثير استغرابي أكثر من حرص إيران على التمسك المفرط ببرنامجها لتخصيب اليورانيوم وبناء مفاعلات نووية إضافية، وطرح مناقصات دولية في هذا الخصوص. فهذا الحرص وما يستتبعه من خسائر محتملة، لا يبرره أبداً ذلك العائد الذي تزعم إيران أنها تحققه من وراء امتلاك الطاقة النووية، أي توليد الطاقة الكهربائية. فعلاوة على أنها تملك مخزوناً هائلاً من النفط والغاز الطبيعي يمكّنها من بتوليد الطاقة الكهربائية بتكلفة منخفضة للغاية، فإن ثمن إصرارها على المضي في بناء برنامج نووي، هو إثارة غضب العالم أجمع وتعريض الأوضاع الإيرانية والخليجية لمخاطر غير ضرورية، بسبب الدخول في حرب عسكرية مع الولايات المتحدة والقوى الغربية الكبرى، باعتبارها صاحبة مصلحة في المنطقة وتسعى إلى النأي بها عن شبح التهديد النووي وما يجره من اضطرابات ومخاطر غير محدودة. وتزداد حيرتي إزاء الموقف الإيراني أكثر من ذلك، حين أرى أن طهران تضحي أيضاً بعلاقتها مع موسكو وتريد حمل الأخيرة على الالتزام باتفاق بناء مفاعل بوشهر، بينما أصبح الجانب الروسي الآن على وعي واضح بخطورة السير في العملية حتى إكمالها. فنظام سياسي كالنظام الإيراني، ليس من المناسب تماماً أن يمكنه العالم من امتلاك التكنولوجيا النووية، تحت أية ذريعة. وهذا ما تفهمه طهران جيداً، لكنها تعمل -وبإصرار لافت للنظر- على العكس من مقتضاه؛ ما يزيد حيرة المراقبين والمتابعين للتطورات العامة في هذا الجزء من العالم. مسعود جابر - أبوظبي