يمكن استعمال السكاكين لأغراض قطع الخبز ونقش الخشب والجراحة، من بين أمور أخرى كثيرة؛ في حين أن الأسلحة النارية تطلق الرصاص فقط. فذاك هو الهدف الذي صُنعت من أجله، وذاك ما تقوم به. وبالتالي، فحين نتحدث عن حماية حقنا في امتلاك الأسلحة النارية، فإننا نتحدث عن حماية حقنا في إطلاق الرصاص. ولكن، من ذا الذي نطلق عليه الرصاص؟ الواقع أن حمل الأسلحة النارية مضمون من قبل الدستور؛ فقد جاء في التعديل الدستوري الثاني: "حيث إن المليشيات المنظمة تنظيماً جيداً ضروريةٌ لأمن الدولة الحرة، فإن امتلاك السلاح وحمله حق لا ينبغي انتهاكه". وتتم الإحالة على هذا التعديل الدستوري باعتباره المرجعية الأخيرة التي يتم اللجوء إليها حتى وإن لم يتفق معها المرء أو كانت مبهمة وغير مفهومة. بيد أن الدستور ليس نصاً دينياً منزلاً من السماء.(ولاحظ كلمة "التعديل الدستوري الثاني"، فكونه تعديلاً، هو دليل في واقع الأمر على قدرة الدستور على تصحيح أحكامه ومقتضياته). ثم إن "الآباء المؤسسين" ليسوا معصومين أو منزهين عن الخطأ أيضاً. والظروف قد تغيرت اليوم. فهل مازال ثمة أحد يعتقد أن دولةً حرة في حاجة إلى ميليشيا منظمة تنظيماً جيداً؟ ولماذا كثيراً ما يتحاشى أولئك الذين يختبئون وراء الدستور الإشارةَ إلى كلمتي "ميليشيا" و"دولة"؟ ثم لماذا قال السيناتور "جون ماكين" بعد مذبحة جامعة فرجينيا التكنولوجية -بساعات معدودة- "أؤمن بالحق الدستوري -مثلما جاء في التعديل الثاني للدستور- بأن لكل شخص حق حمل السلاح"؟ ولكن ما الذي يؤمن به "ماكين" على وجه التحديد؟ هل هو الدستور نفسه؟ (مما لاشك فيه أنه يعتقد أن تغيير الدستور من أجل تحريم العبودية، ومنح النساء حق التصويت كان عملاً حكيماً) أم تراه يؤمن بالأسلحة؟ الواقع أنه سيكون من دواعي الارتياح أن يكون لدينا سياسيٌ يحاول الدفاع عن الأسلحة بدون أي إشارة إلى التعديل الثاني، وإنما بالإشارة فقط إلى مزايا الأسلحة. فماذا لو أن "ماكين" صعد إلى المنصة بعد ساعات معدودة على عملية القتل الجماعي وقال بدلاً مما قاله: "إن الأسلحة أمر جيد لأنها كذا وكذا ..."، أم ماذا تراه كان سيقول؟ الأسلحة أمر جيد لأنها تشكل آخر وسيلة للدفاع عن النفس؟ الحقيقة أنني متأكد أن بعض الناس يعتقدون أن التوفر على سلاح ناري بجانب سريرهم سيجعلهم أكثر أمناً، إلا أنهم مخطئون. وهذا ليس رأيي، مثلما أنه ليس تصريحاً سياسياً أو جدلياً. بل هو واقع وحقيقة. فحسب دراسة نشرتها دورية "ذا نيو إنجلاند جورنل أوف ميديسين" الطبية المتخصصة، فإن الأسلحة التي يتم الاحتفاظ بها في المنزل بهدف الدفاع عن النفس والحماية الذاتية من الأرجح أن تقتل أحد أفراد العائلة أو صديقاً أو قريباً أكثر بـ43 مرة من أن تقتل لصاً أو مجرماً. ثم إن الأسلحة في الشارع تجعلنا أقل أمناً؛ فحسب "مكتب التحقيقات الفيدرالي"، ثمة أكثر من 50 جريمة قتل في الولايات المتحدة مقابل كل عملية قتل مبررة بالسلاح. كما أن الحق المتزايد في حمل أسلحة مخفية يجعلنا أقل أمناً أيضاً. وعليه، فأي حق تتم حمايته إذا لم يكن الحق في السلامة؟ هل هو الحق في الشعور بالسلامة على حساب السلامة الحقيقية؟ أو ربما تكون الأسلحة النارية أمراً جيداً لأنها تُستعمل لغرض القنص؟ الواقع أن القنص أداة دستورية هدفها صرف الانتباه عن الموضوع الرئيسي؛ وبالتالي، فليس من قبيل الصدف أو المفاجآت أن تتحالف "جمعية البندقية الوطنية" مع القناصين -فهم يمثلون مصدر دعم وتأييد. ولكن، دعونا نفترض جدلاً أن القنص أمر جيد حقاً، فكم يا ترى من الثلاثة آلاف طفل الذين يُقتلون بالأسلحة النارية في الولايات المتحدة كل عام تبررهم مزايا القنص؟ جميعهم؟ بعضهم؟ وكم من الطلبة وأعضاء هيئة التدريس الذين قُتلوا في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا؟ ثم ما هي الأمور الجيدة بخصوص القنص على كل حال؟ إن القنص من المواضيع التي نادراً ما نتحدث عنها، والحق أن ممارسته كرياضة أمر سيئ ومقزز. وحسب تعبير كاتب خطابات بوش السابق، "ماثيو سكولي"، فإن "أكثر الأعمال شراً إنما تُرتكب لأن مرتكبيها يجدون فيها ما يعتبرونها أموراً جيدة"... أما من يقتل من أجل الرياضة، فدوافعه غير قابلة للفهم. فهو شخص يفضل الموت على الحياة، والظلام على النور. ويجد متعة وإرضاء للنفس في القول "إن شيئاً كان يرغب في الحياة قد مات الآن". فهل يستطيع أحد أن يشرح لي لماذا نقبل بهذه الأمور؟ ولماذا نقبل بأن يكون حب الموت أهم من سلامة 94 في المئة منا ممن لا يتوفرون على رخص للقنص ولا يمارسونه؟ يفيد "صندوق الدفاع عن الأطفال" أن عدد الأطفال الصغار الذين قُتلوا بالأسلحة النارية في 2004 فاق عدد من قُتلوا من مسؤولي فرض القانون. وعلاوة على ذلك، فإن عدد الأطفال الذين يُقتلون بالسلاح في الولايات المتحدة كل عام يفوق عدد الجنود من الرجال والنساء الذين يُقتلون سنوياً في العراق وأفغانستان بثلاث مرات. والحقيقة أن عدد الأطفال -أقول الأطفال- الذين قُتلوا بواسطة الأسلحة النارية خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية يفوق مجموع الوفيات الأميركية في جميع حروب الولايات المتحدة خلال العقود الخمسة المنصرمة. أغلب الظن أن حرب العراق ستحدد نتائج الانتخابات الأميركية المقبلة، ولكن ماذا عن الحرب الأكثر فتكاً وقتلاً الدائرة رحاها في الداخل؟ جوناثان سافران كاتب أميركي متخصص في الشؤون القانونية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"