الصحافة الإسرائيلية
شبح "حرب صيف" جديدة... وبوادر أزمة هوية في الدولة العبرية
"التهديد" الإيراني لتل أبيب، ومسألة الهوية في إسرائيل، والتداعيات السلبية للحرب المقبلة على الجبهة الداخلية، وقضية النائب العربي عزمي بشارة... مواضيع أربعة نعرض لها بإيجاز ضمن قراءة أسبوعية في الصحافة الإسرائيلية.
"إيران والسودان":
كان هذا هو العنوان الذي انتقته صحيفة "جيروزاليم بوست" لافتتاحية عددها ليوم الخميس الماضي، وفيها علقت على الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي جورج بوش الأربعاء الماضي بـ"متحف المحرقة" الأميركي، وأوضح فيه مغزى استحضار المحرقة اليهودية، و"استعمال الماضي لمحاربة الإبادة الجماعية في الحاضر وتجنبها في المستقبل". غير أن الصحيفة عابت على الخطاب تركيزَه على السودان على خلفية أزمة دارفور، وعدم إيلائه أهمية كبيرة لـ"التهديد بالإبادة الجماعية الذي تطرحه إيران". وإذا كانت الصحيفة قد اعتبرت أنه ليس من باب المصادفة أن يختار بوش "متحف المحرقة" مكانا لإلقاء كلمته نظراً للاهتمام الكبير الذي توليه المنظمات اليهودية لهذا الموضوع، فإنها رأت أنه لم يولِ بالمقابل "الخطر" الإيراني ما يستحقه من اهتمام، حيث لم يأتِ على ذكر إيران في خطابه سوى مرة واحدة. كما اعتبرت الصحيفة أن "الخلل" في خطاب بوش يشبه إلى حد كبير الخلل الذي يعتري "الجهود اليهودية" من حيث عدم تركيزها على "التهديد" الذي تطرحه إيران. وفي هذا الإطار، ساقت الصحيفة مثال مؤتمر "المجلس اليهودي للعلاقات العامة"، ممثل الجالية الأميركية اليهودية، السنوي في فبراير الماضي، الذي ركزت فيه معظمُ كلمات المشاركين على "التهديد" الإيراني– تقول الصحيفة- في حين ركزت الحلول على السودان ومواضيع أخرى، لتختتم افتتاحيتها بالقول إن "على العالم اليهودي ألا يحد من نشاطه بخصوص موضوع السودان، غير أن جهوده بخصوص إيران يتعين أن تكون أكثر إلحاحاً واستعجالاً".
الإسرائيليون ومسألة الهوية:
50 في المئة من الإسرائيليين يقولون إنهم يهود أولاً، في حين يرى 45 في المئة منهم أنهم إسرائيليون أولاً؛ أما الخمسة في المئة الباقية فترى أن كلا التوصيفين لا ينطبقان عليها. كان هذا أبرز نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته مؤخراً مؤسسة "موتاجيم" حول مسألة الهوية في الدولة العبرية، بمناسبة اقتراب الذكرى التاسعة والخمسين لـ"استقلال" إسرائيل، والتي نشرتها صحيفة "يديعوت أحرنوت" في عددها ليوم أمس الثلاثاء. وحسب الصحيفة، فإن 72 في المئة من الإسرائيليين العلمانيين يقولون إنهم إسرائيليون أولاً مقارنة مع 23 في المئة ممن قالوا إنهم يهود أولاً. أما في أوساط المحافظين، فقد اعتبر 64 في المئة منهم أنهم يهود أولاً، في حين رأى 27 في المئة منهم أنهم إسرائيليون قبل كل شيء. وفي محاول لتفسير هذه النتائج، نقلت الصحيفة عن "شوشي بيكر"، مديرة "منظمة جيشار"، التي تهدف إلى ردم الهوة بين اليهود المتدينين والعلمانيين، قولها إن ثمة تراجعاً للقيم التي يُنظر إليها باعتبارها إسرائيلية، وإن نتائج الاستطلاع "لا تعني بالضرورة أن الإسرائيليين متعلقون باليهودية كدين، وإنما كهوية وطنية وثقافة وروح، وطائفة لها جذور عائلية وتاريخية".
وردا على سؤال بخصوص الهدية التي يودون أن تتلقاها إسرائيل بمناسبة "عيد ميلادها"، أجاب 38 في المئة من المستجوَبين أنهم يتمنون عودة الجنود الإسرائيليين الأسرى، في حين أعرب 30 في المئة عن أملهم في التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين. ورأى 16 في المئة منهم أن أكثر ما يتمنونه هو تحسن معدلات الفقر؛ في ما اعتبر 12 في المئة منهم أن سقوط حكومة أولمرت يمثل أفضل هدية يمكن لإسرائيل أن تتلقاها في ذكرى إنشائها.
"حرب في الصيف":
نشرت صحيفة "هآرتس" في عددها ليوم الاثنين الماضي مقال رأي لكاتبته "أوريت شوهات"، تناولت فيه ما يروج في إسرائيل هذه الأيام من أحاديث عن احتمال نشوب حرب مقبلة هذا الصيف بين إسرائيل وسوريا، وهي توقعات عززتها –حسب الكاتبة- تصريحاتُ مسؤولين إسرائيليين سابقين من قبيل رئيس هيئة الأركان السابق، وأحاديث عن استعدادات إسرائيلية تأهبا لهذه الحرب. "شوهات" توقعت بغير قليل من السخرية أنه حين سيسأل "أولمرت" رئيسَ هيئة أركان الحرب بشأن ما إن كان باستطاعة الجيش الإسرائيلي هزم السوريين، فإنه سيرد بالإيجاب. والحال –تقول الكاتبة- أن الجنرال "يوري ساجاي" لم يُخفِ تشككه في هذه النتيجة الأسبوع الماضي خلال لقاء مع خريجي الأكاديمية العسكرية. كما حذرت الكاتبة من أن الإسرائيليين سيواجهون، في حال اندلعت الحرب، سيلاً من القذائف والصواريخ بعيدة المدى، "بعضها مزود ربما برؤوس كيماوية"، متوقعة أن تكون الجبهة الإسرائيلية الداخلية أضعف حالاً على اعتبار أن "المدنيين تعلموا درساً، وباتوا يعلمون أن الشيء الوحيد الذي يمكن للدولة أن توفره لهم هو رجالُ إطفاءٍ بخراطيم المياه".
إلى ذلك، اعتبرت الكاتبة أن كل من يتحدث عن ضرورة إعداد الجبهة الداخلية للحرب المقبلة إنما يزرع آمالا باطلة، مضيفة أن الحماية الحقيقية الوحيدة للجبهة الداخلية تكمن في "تسوية سياسية". وأوضحت أنه إذا كان أولمرت قد استفاد من دروس حرب الصيف الماضي، وبات مدركا للخطر الذي تطرحه الحرب بالنسبة للجبهة الداخلية، فإنه سيفكر مرتين قبل أن يوافق على قصف بلد مجاور، وهو ما سيعني حينها –تقول كاتبة المقال- أن "أولمرت" قد فهم حقيقة أن أجهزة ومعدات الحرب الحديثة لا تُبعد الخطر المحدق بالجبهة الداخلية أو تلغيه، وأن من بين أسباب قوة الولايات المتحدة البعد الجغرافي الذي يجعل جبهتها الداخلية في منأى عن كل الجبهات والبؤر الساخنة.
"لحظة الحقيقة لعزمي بشارة":
تحت هذا العنوان نشرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" مقالاً لكاتبه "يهودا ليطاني"، تناول فيه قضية النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي وزعيم "التجمع الوطني الديمقراطي"، عزمي بشارة، المتابع من قبل القضاء الإسرائيلي على خلفية الزيارة التي قام بها إلى سوريا، والتي يُجرمها القانون الإسرائيلي. الكاتب استهل مقاله بالحديث عن شخصية أخرى من عرب إسرائيل هو الصحفي الراحل "إيميل حبيبي"، الذي كان نائبا من "الحزب الشيوعي" في الكنسيت الإسرائيلي لفترة تسع عشرة سنة، معتبرا إياه مثالا للعربي الإسرائيلي الذي نجح في التوفيق بين الانتماءين من دون أن يُعتبر خائناً من أي جهة، ففاز بـ"جائزة إسرائيل للآداب"عام 1990، وتلقى "جائزة القدس" في القاهرة التي منحها له الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
وقال الكاتب إنه بالرغم من أن بشارة كان أحد تلامذة "إيميل حبيبي"، إلا أنه لم يتعلم منه كيفية التوفيق بين عروبته و"إسرائيليته" من دون خرق للقانون. وقال إن بشارة ما زال في الخارج ومتردداً على ما يبدو بخصوص العودة إلى إسرائيل، مضيفاً أن الكثير من العرب الإسرائيليين ينظرون إلى محاولة بشارة تفادي مواجهة القضاء الإسرائيلي و"هروبه" من البلد باعتباره "خوفاً" و"خيانة". واختتم مقاله بالقول إنه في حال اختار بشارة التخلي عن العرب في إسرائيل والبقاء في الخارج، فإنه "سيفقد قاعدته وحقه المعنوي في الزعامة"؛ وأن له خيارين، "فإما أن يواجه القضاء الإسرائيلي مع ما ينطوي عليه ذلك من تداعيات أو السقوط".
إعداد: محمد وقيف