شهد يوم الأحد الماضي، عدة أحداث وأنشطة بمناسبة حلول الذكرى الثامنة والثلاثين ليوم الأرض. غير أن معظم الاهتمامات والأنشطة التقليدية التي يقوم بها البيئيون الأميركيون في مثل هذا اليوم، من أنشطة تدوير النفايات وتنظيف مجرى مائي ما، أو حماية منطقة مفتوحة ما من العدوان الصناعي والعمراني، أو حتى أنشطة تنقية الهواء... لم يعد له أهمية أو أثر يذكر في مواجهة الخطر البيئي الفعلي. وليس القصد هنا القول بعدم فاعلية هذه الأنشطة، كما سبق لاثنين من أبرز البيئيين التقدميين هما "تيد نوردهاوس" و"مايكل شبينجلر"، أن زعما في مقال لهما نشراه في عام 2005، تحت عنوان "موت الحركة البيئية"! وما أعنيه هنا أكثر جوهرية من مثل هذه المزاعم. فإن كانت الحركة البيئية قد ماتت بالفعل، فما ذلك إلا بسبب انصراف الأنظار عن الخطر البيئي الماحق والأهم، ألا وهو التغير المناخي العالمي. وتأكيداً على مدى جدية هذا الخطر وانصراف الأنظار عنه، قال "هنري ثوريو": فما جدوى أن يكون لك بيت أصلاً، وأنت لا تملك الكوكب الذي تضعه فيه؟! وهذا هو السؤال الذي يواجهه الناشطون البيئيون اليوم. ولكي نثير السؤال نفسه بعبارة أخرى أكثر قرباً إلى تصوير المعنى المراد: فما جدوى أن يصارع الناشطون البيئيون من أجل تحقيق أهداف بيئية محلية قومية، في حين يوجد خطر بيئي عالمي واحد، من شأنه القضاء على كل ما ينجزه البيئيون في معاركهم الصغيرة الداخلية؟ وبالمنطق البيئي نفسه، فما جدوى الحماية البيئية لشاطئ ما من الشواطئ الأميركية، في حين يتعرض هذا الشاطئ لخطر الإزالة التامة من الوجود بفعل الارتفاع المحتمل في مناسيب المياه البحرية، الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة العالمية وذوبان الطبقات الجليدية في المناطق المتجمدة؟ وبذات المنطق تنتفي أهمية وضع الدب القطبي في قائمة الحيوانات أو الكائنات المهددة بخطر الانقراض، ومن ثم جعل حمايته هدفاً بيئياً أقصى، في حين أن بيئة الطبقة الجليدية المتجمدة في القطبين الشمالي والجنوبي، وهي البيئة التي تقوم عليها حياة الدب القطبي، هي نفسها مهددة بالفناء والعدم، نتيجة لذوبان طبقاتها الجليدية المتجمدة. ألا يشبه مثل الاهتمام محاولة أحدهم بناء غرفة استحمام في اللامكان واللابيت؟! إذا كان "أرنولد شوارزينجر" حاكم ولاية كاليفورنيا قد اقترح بناء خزانين جديدين للمياه في منطقة "سييرا" الجبلية، على نحو ما فعل في شهر يناير الماضي، وتمسك بدفاعه عن الاعتقاد بأنه وفيما لو تمكنت كاليفورنيا من الحصول على ما يكفي من المياه، فإن ذلك سيساعدها بالضرورة في التعويض عن الانخفاض المتوقع في مناسيب هطول الجليد خلال موسم الشتاء... فكيف للبيئي الغيور على حماية البيئة أن يستجيب لمثل هذه المزاعم؟ نذكر أنه في وقت ما، لم يكن هناك من تحد أو هدف يستلزم التصدي السريع له، أكثر مما كانه "نادي سييرا وشركاؤه"، مع العلم أنهما المسؤولان عن تشييد خزان المياه الثاني. على أن ذلك لا ينفي صحة رؤية شوارزينجر، من زاوية أنه يتعين علينا القيام بما نستطيعه، من أجل الاستعداد لما يحمله لنا التغير المناخي من مخاطر وتحديات جديدة. ورغم كوني لست واثقاً بعد مما إذا كانت فكرة خزانات المياه هذه فكرة إيجابية وعبقرية أم لا، فالذي أعلمه جيداً هو أن فكرة شوارزينجر المذكورة تحمل معها إشارة تحد كبيرة لما يجب أن يواجهه بيئيو عصرنا الحالي. وإذا كان رموز المدرسة البيئية التقليدية القديمة، من أمثال "باتريك مور"، المشارك المؤسس لحركة "السلام الأخضر" و"ستيوارت براند"، مؤسس "الكتالوج العام لكوكب الأرض"، قد تبنوا خيار الطاقة النووية، باعتباره بديلاً أقل شراً، في مواجهة خطر التغير المناخي، فهل يعني ذلك بداية دخول البيئيين مرحلة إقامة تحالفات فيما بينهم، وهم يختارون من البدائل المختلفة، أقلها شراً؟! آمل ألا يكون الأمر هكذا، وأن لا ينحدر النشاط البيئي إلى مجرد فرز وتحديد لأولويات الخيارات المتاحة. فالاستجابة الصحيحة للتحديات البيئية الماثلة اليوم، هي السيطرة على خطر الإحماء الشامل والحيلولة دون كارثة التغير المناخي، إلى جانب تعضيد شوكة القتال ضد هذه المخاطر، أكثر من أي وقت مضى. ولئن انخرط الناشطون البيئيون التقليديون في الكفاح ضد هذا الخطر العام الذي يهدد وجودنا بحد ذاته، فسوف يكون في مقدورهم في مرحلة أخرى، مواصلة نشاطهم الضيق المحدود الذي يؤثرون تكريس جهودهم له، مثل إنقاذهم للغابات الحمراء من خطر الانقراض الذي يتهددها، أو حمايتهم للذئب المكسيكي الرمادي، أو اهتمامهم ببقاء الحيتان وتكاثرها... غير أن كل ذلك يستوجب حماية أنفسنا أولاً. وإنه لمارقة حقاً أن ما يقتل المدرسة البيئية القديمة اليوم –مع العلم أنها طالما وصفت من قبل منتقديها بالنخبوية والهامشية وضيق الاهتمامات الخاصة- هو هذه المعضلة البيئية التي تجمع بين الشقين العام والخاص في آن، لما لها من تأثير مباشر على الإنسان والكوكب الذي يعيش فيه معاً. والحق أن التغير المناخي، لم يعد ظاهرة بيئية تهدد حياة الكائنات الغريبة والبعيدة عنا، إنما يستهدفنا نحن البشر بالذات، ويحدد مصيرنا في هذا الكوكب. ثم إن في هذا المهدد، ما قد يعصف بحضارتنا الحديثة كلها. وفي اعتقادي أن الهدف يكف عن كونه مجرد هدف فحسب، منذ اللحظة التي يتحول فيها إلى هاجس جماعي عام. ذلك أنه يتحول في هذه الحالة إلى مبدأ منظم لعصر بكامله ولحياة البشر الذين يعيشون فيه. هال كليفورد ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المدير التنفيذي لمجلة "أوريون" ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"