أيها الصديق أما زلت تنتظر نزول المطر؟ يبدو أن لحن أنشودة المطر، ما يزال راسخاً في الذاكرة· كم أنت عاطفي، بل ربما تكون رومانسياً تبحث عن السعادة، في عالم لا يعترف بالعواطف· إن العاطفة هي شعور إنساني نبيل من زمن لم يعد له وجود، هل أنت من الزمن البنفسجي؟ إنك من زمن لم يعد له وجود· إن ذلك الزمن هو زمن المثالية، وزمن ذلك القادم من أميركا، إلا أنه من الجنوب، ذلك الذي رفع راية الحق، ضد الجشع العولمي في ذلك الزمن، زمن لا يعرف إلا الأزرق، ويرفض اللون الأحمر، لون أعلام منطقتنا في زمن الاحتلال· كان اللونان الأحمر والأبيض هما السائدان، لم يكن للون الأزرق وجود· هل كانت السلطة السائدة ترى أن اللون الأزرق هو لون علية القوم وأن أولئك الواقعين تحت السيطرة، لا يستحقون إلا اللونين الأحمر والأبيض؟ نسي أولئك أن اللون الأحمر هو لون الثورة أو لون الثورة القادمة من الشرق· ومن أضعف مناطق الرأسمالية الغربية، لقد كانت الانطلاقة الأولى من دولة القيصرية، ولم تكن دولة العمال في بريطانيا العظمى، وكانت تلك الغلطة الأولى للينين الذي ابتعد عن فلسفة رائد المادية الأول ماركس الذي كان يرى أن الثورة تنطلق من المركز أولاً وليس من الأطراف· وربما لأنها انطلقت من الأطراف لم يكتب لها النجاح في القرن العشرين على الأقل· في هذه اللحظة ظهر صاحبي القديم من بين أرفف الكتب ومن بين الجدران رافعاً يده بإشارة إلى نقطة نظام، وقال بصوت عالٍ: إنني احتج عليك، وعلى أسلوبك في تناول القضايا الحالية بمنظور أصبح من التاريخ القديم، تاريخ ما قبل القرن الجديد!
أدركت في هذه اللحظة أننا نعيش في يوم عيد، عيد يفترض أنه يحمل السعادة، وأن اليوم هو عيد، وليس مجالاً للحزن، إنه عيد للإنسان، عيد للأطفال، للمرأة، للرجل، إنه عيد من أجل السعادة، لحظة ينسى الإنسان فيها همومه اليومية، وتنسى المرأة كم هي مسلوبة الإرادة في عالم الذكور، ويفرح الطفل بدراهم يتلقاها من هنا وهنالك·
إنه عيد بالرغم من كل الغيوم السوداء هنا أو على بعد آلاف الأميال·
إنه يوم للفرح، يوم للابتعاد عن الهموم وعن الحزن، إنه يوم للراية البيضاء، بعيداً عن اللون الأحمر، أو اللون الأزرق، إنه يوم للون الأبيض· انبرى صاحبي وقال: أليس هو يوم الأخضر؟ قلت أرجو أن يبتعد عن ذلك اللون، فهو له علاقة بتلك الجمهورية، التي ليست إلا رمزاً للقمع والاضطهاد، رمزاً لذلك الإنسان الذي ركب كل الموجات وكل المواقع إلا أنه ظل يدور في رحى الفلاحة التي تكن كل الاحترام للسيد الذي أوصلها إلى مقعدها·
وبإصرار شديد ظهر صاحبي من جديد سواء على التلفاز أو الأنترنت أو على الصحافة وقال لي: إلى متى تظل تعيش في الماضي!؟
وقال لي: هل تعلم أن الشعب العراقي يحتفل بالعيد للمرة الأولى منذ أكثر من عقود من دون وجود للحجاج؟! قلت: الحجاج؟! قال: نعم، لقد قررت إدارة خالقة الحجاج أن تتخلص منه إلى الأبد، قلت: سبحان الله هل قررت خالقة الدمية أن تحرق تلك الدمية وبهذه السهولة، قال لي صاحبي: كانت مهمة صعبة، التخلص من دمية لها مواصفات ذلك الديكتاتور! إلا أن مرحلة العولمة تتطلب التخلص منه وبصورة لا تليق بالإنسان، مهما كان دوره القذر في عجلة الرأسمالية القاتلة· إلا أن دوره قد انتهى، كم هو ذليل الإنسان في آلة الزمن العولمي!
يبقى الإنسان العراقي عملاقاً ورائعاً في زمن التحرر من تبعات مرحلة الحرب الباردة، ويبقى الإنسان قامة عالية في زمن لا يعرف إلا قوة الشعب، يبقى الإنسان أقوى من جلاديه وحتى لو كانوا من أقوى القوى، حقاً إنه العيد الأول في ظل التخلص من أعظم ديكتاتور في التاريخ، فهو خلاصة الرأسمالية والقمع العربي، إنه نتيجة التحالف بين القمع الشرقي المتخلف والغرب بصورة الرأسمالية الطاحنة لكل أحلام البشر بفجر ساطع، ولكن يبقى الإنسان هو رمز للصمود ضد كل القهر التاريخي·