بدأت الهند تفيق تدريجياً بعد سبات عميق استمر قروناً... وإذا ما استمرت في ذلك التقدم، فإن أمامها فرصة كي تنهي هذا القرن، وقد أصبحت عاصمةً العالم بل وأهم أمة على ظهر الأرض. ويستطيع المرء أن يرى في الهند الآن مدناً ناشئة مثل "حيدر أباد" و" أحمد أباد"... وهي مدن تجعل من اليسير عليه أن يصدق أن الهند ستتجاوز الصين في نهاية المطاف... ولكنه عندما يزور ولاية "بيهار" الريفية الواقعة في شمال الهند، فإنه سيدرك أنه لا توجد معجزة اقتصادية هناك. فأثناء رحلتي لهذه الولاية زرت قرية تدعى " كاواسبار" واكتشفت أنه لا يوجد بها كهرباء، وأن المدرسة الوحيدة الموجودة بها تضم 600 تلميذ غير أن المدرسين لا يأتون إلا لماما وهي ممارسة مألوفة في المدارس الحكومية الهندية وفي أفضل الأيام قد لا يكون هناك سوى مدرس واحد أو مدرسان فقط في المدرسة بأسرها. علاوة على ذلك تبين لي أن جميع التلاميذ الذين قابلتهم في تلك القرية لم يتم تطعيمهم ضد الأمراض، وأن المستشفى الحكومي الموجود في تلك القرية في حالة مزرية ولا يوجد به أبواب ولا نوافذ- ناهيك عن أنه يوجد به طبيب. ويقول القرويون إن هذه المشكلة تعد من المشكلات المألوفة في هذه القرية وغيرها. فعلى الرغم من أن الدولة تدفع نفقات التطعيم، فإن تلك الطعوم لا يتم توريدها للمستشفيات أبداً، مما يعني أن هناك أشخاصا ما قد اختلسوا الأموال المخصصة لشرائها. باختصار يمكن القول إن الخدمات التعليمية والرعاية الصحية لا تصل إلى سكان هذه القرية وغيرها من القرى المماثلة. وفي قرية من قرى "جيوجارات" وهي أيضاً من الولايات التي زرتها خلال رحلتي الأخيرة، قمت بزيارة إلى مبنى مدرستها، وتبين لي أن المدرسة خالية من التلاميذ لأن المدرسين قد قرروا أن يمنحوا أنفسهم أجازة لمدة شهر. وعندما تحدثت مع بعض أطفال تلك المدرسة في بيوتهم أدركت أن بعضهم غير قادر على كتابة اسمه بلغته المحلية، على الرغم من أنه قد أمضى ست سنوات في الدراسة بتلك المدرسة. وقالت لي طالبة هناك تدعى جناح أنه عندما يأتي يوم الامتحانات، فإن المدرسين وخوفاً من أن يظهر المستوى الحقيقي للمدرسة، ويسبب لإدارتها إحراجا، يعمدون إلى كتابة إجابات أسئلة الامتحان على السبورة أمام الطلبة لنقلها. هناك أيضاً سجل الهند المتدني في سوء التغذية. فالهند حسب إحصائيات المنظمات الدولية يوجد لديها أكبر نسبة من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في العالم حيث تتراوح هذه النسبة ما بين 30 إلى 47 في المئة. والأطفال الذين يعانون من سوء التغذية يعانون من تدهور مستمر في نسبة الذكاء ومستوى الإدراك والتعرف، ويصبحون فريسة سهلة للأمراض التي تنهش في أجسادهم. وهناك بعض الأدلة التي تثبت أن انتشار سوء التغذية يؤدي إلى تقليص النمو الاقتصادي في الدول التي تعاني من هذه الظاهرة بمعدل يتراوح ما بين اثنين إلى أربعة في المئة. معنى ذلك أنه لو استمرت معاناة الهند من التدهور في مجال التعليم والرعاية الصحية والتغذية- وهو أمر مرشح للاستمرار لعقود قادمة- فإنها ستجد نفسها غير قادرة على التقدم بالشكل الذي تطمح إليه بحلول منتصف القرن الحالي، كما ستجد أنها قد تأخرت خطوات كبيرة عن الصين. صحيح أن الصين تعاني من مشكلات مماثلة، وأن الفجوة بين الأغنياء والفقراء وبين المناطق الساحلية والمناطق الزراعية الداخلية تتزايد لديها إلا أن الفارق بين الدولتين هو أن المدارس التأسيسية في المناطق الزراعية الصينية تقدم تعليماً جيداً في مجال الرياضيات والعلوم. على الرغم من ذلك، فعلينا أن نقول إن الازدهار الهندي هو ازدهار حقيقي، وأن نسبة نمو ناتجها القومي الإجمالي تضعها خلف الصين مباشرة، كما أن قاعدة الطبقة الهندية الوسطى تزداد اتساعاً، ومستوى الحوكمة في وزاراتها ودوائرها يتحسن وأن التحول الذي تمر به هو واحد من أكثر قصص التقدم في عالمنا المعاصر إثارة، مما يجعلني لا أتردد في القول إن القرن الحادي والعشرين هو قرن آسيوي بامتياز. ولكن الهنود يشيرون دوما إلى ولايات" بايمارو"، وهو لعب على كلمة" بايمار" التي تعني مريضا في اللغة الهندية. وولايات" بايمارو" تشمل: بيهار، ومادهيا، وبراديش، وراجستان، وأوتار براديش، وأوريسا. في تلك الولايات" لا يوجد ازدهار" كما يقول "فيديا ساجار جوبتا"، وهو رجل أعمال كان يمتلك في يوم من الأيام عدة مصانع في ولاية "بيهار" الشمالية قبل أن يقوم بإغلاق معظمها. وبالإضافة لعدم وجود ازدهار، فإن تلك الولايات تعاني من كثرة انقطاع التيار الكهربائي، وارتفاع معدل الجريمة، وانتشار الفساد على نطاق واسع، وتدهور القطاع الزراعي، ونقص المواد التموينية والتواطؤ بين الشرطة وعصابات السرقة. إن أي أحد يتمنى النجاح للهند محتم أن يعود من أي زيارة لمناطقها الزراعية وقد أصيب بالإحباط وخيبة الأمل. وقد قالت لي "لا بات"، وهي امرأة هندية قامت بتأسيس ما يعرف بـ"اتحاد النساء أصحاب المهن الحرة"، وهو اتحاد يبلغ عد أعضائه في الوقت الراهن مليون عضوة:" إن الاقتصاد الهندي هو اقتصاد محدود إلى حد كبير، وهو أشبه ما يكون بحافلة لها إطار مطاطي واحد فقط، أما مكان الإطارات الثلاثة الأخرى، فقد تم تركيب عجلات خشبية من تلك العجلات التي كانت توضع في العربات التي تجرها الدواب. لذلك فإنني إذا ما سئلت: من الذي سيفوز في سباق القرن الكبير؟ فإنني لا زلت أراهن على أن الصين هي التي ستفوز- حتى الآن على الأقل- إلى أن يصبح الازدهار الهندي واسع النطاق، وإلى أن ينجح المدرسون في الهند في تعليم تلاميذها، وتنجح مستشفياتها في علاج مرضاها... ومن دون ذلك، فإن الهند ستستمر في نزف ثروتها العقلية الثمينة، ولن تحقق ولو جزءا يسيرا مما تطمح إليه. نيكولاس كريستوف ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"