كان مؤتمر "الإصلاح المدرسي... التحديات والطموحات"، والذي عقد في دبي الأسبوع الماضي، حدثاً مناسباً، لجس النبض والإطلاع على الاتجاهات المسيطرة على قضية التعليم في الدولة، من القائمين على العملية التعليمية في الميدان التربوي. وعلى مدى ثلاثة أيام استطعت أن أخرج بخلاصة مفادها أن أي شخص يزعم أنه يخطط، لا بد أن تكون له علاقة بالميدان الذي سينفذ فيه الخطة، سابقاً أو لاحقاً، لأنه لا يمكن لأحد أن يخطط لشيء وهو ليست له علاقة بالميدان، فهو لن يكون واضحاً طالما لم يمارس العمل التطبيقي أو لم يجربه. المخطط لا بد أن يكون جزءاً من التجربة؛ قبل وأثناء التطبيق؛ وهذا الشيء أوضحه من جاؤوا إلى المؤتمر ليقدموا لنا خلاصة تجربتهم، فهم في الميدان التربوي وهم من يستطيع أن يتخيلوا السلبيات والإيجابيات. على هذا الأساس، لا بد أن يكون المخطط جزءاً من الخطة نفسها ومن الميدان التربوي حتى يستطيع أن يحقق عدة أهداف من خلال فعل واحد أحياناً. ثمة ملاحظات أخرى خرجت بها من حضوري المؤتمر التعليمي لعل أهمها: الغياب المثير للاستغراب، وفي بعض الأحيان للهمس والغمز، للقيادات العليا في وزارة التربية والتعليم، وزير التربية ومساعديه، ومدراء المناطق التعليمية، حيث كان التعليق على هذا الغياب طاغياً على الحضور مرة يخفت الهمس حوله ومرة يرتفع. ومما آثار دهشتي وكذلك دهشة غيري، أن يطالب من ننقل عنهم التجربة التعليمية، أقصد الأجانب، عدم تكرار الأخطاء التي وقعوا هم فيها؛ مثل نقل المناهج كما هي أو تهميش العنصر المواطن وكذلك خلق الفجوة في العملية التعليمية بين القيادة والميدان وبين التعليم والمجتمع، على اعتبار أنه استبعاد للميدان التربوي والمجتمع من صياغة القرار التربوي. وبالملاحظة الميدانية، فإنه للأسف أن تلك الأخطاء نحن في الإمارات نقع فيها مراراً وتكراراً رغم حديثنا عن التطوير. وهذه النقطة سمعتها من الميدان التربوي نفسه، خصوصاً مدراء المدارس، فقد أحسست الغصة والاحتقان في حديثهم بعدم الاهتمام بآرائهم، من قبل القيادة العليا، وأنه لا توجد لغة للتخاطب بينهم مع الوزارة، بل سرب لي بعضهم أن مفهوم الإصلاح التعليمي في الدولة اختزل في التحدث باللغة الإنجليزية، التحدث فقط، وفي إتباع أسلوب التجربة والخطأ في تطبيق نظام الثانوية. ومن ضمن ما سجلته أيضاً، آراء بعض المدرسين في ما يخص تدريب الطلبة على كتابة البحث والتقرير، فقد اعترفوا بأن المدرسين لا يتقنون كتابة البحث ولا يدركون الفارق بين البحث والتقرير، وأنهم أوصلوا رأيهم للوزارة ولكن لم تؤخذ أراؤهم، وهنا يجب أن نقف على الهدف من مشروع تطوير التعليم الثانوي وغيره. التطوير في التعليم، كما سمعناه، لا بد أن يكون في كيفية الاستفادة من تجارب الآخرين في طريقة التفكير، حيث يمكن للطالب أن يعرف كيفية الحصول على المعلومة، وكيفية الاستفادة منها، بأقل وقت ومن مصادرها الأصيلة، وليس القيام بنقل تجارب الآخرين كما هي، فالذي يصلح في مجتمع قد لا يصلح في آخر. بل بدا من الحديث في بعض المداولات الجانبية أن مناهجنا يتم نقلها وترجمتها نصاً من مناهج دول أخرى، وتطبيقها في مجتمع تختلف قيمه وثقافته عن مجتمع المنهج الأصلي. كان هذا بعض ما قاله المؤتمرون في مؤتمر الإصلاح المدرسي، رغم أنهم قدموا من دول مختلفة، نحن نأخذ بتجاربها، ليقدموا لنا خلاصة تجربتهم. الاستفادة من تجارب الآخرين، حتى من الدول المتقدمة والعريقة، لا تعني أن مجرد الأخذ بالمناهج كما هي وفرضها على الطلبة، سيجعل خريجي الإمارات بنفس قدرات خريجي النظام الأميركي مثلا، أو تعني بمجرد إتقان اللغة الإنجليزية، برغم أهميتها، دون الإلمام بأصول التربية وهي مساقات تفرض على المعلمين، يعني أن خريجها يستطيع أن يمارس أية مهنة أو أي حرفه يتقنها الآخرون في بلادهم. الهدف من الأخذ بالتجارب الأخرى، هو القدرة على التفكير الصحيح والعلمي ومن ثم التطبيق الصحيح بالاستعانة بالأدوات التي استخدمها غيرنا. استطعت أن أخرج من المؤتمر، باعتباري مراقباً من خارج الميدان، بأن إتقان وسائل وطرق البحث الصحيحة والإلمام بموضوع الدراسة هو الهدف الأساسي من الاستفادة من تجارب الآخرين.