قبل انعقاد مؤتمر قمة الرياض الأخير، ألمحت بعض الصحف العربية إلى اتفاق عقد بين الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول العربية بشأن إجراء اتصالات مباشرة واسعة تحت غطاء دعم التفاوض الفلسطيني/ الإسرائيلي بهدف بدء خطوات التطبيع العربي مع تل أبيب، تقوم على أساس دمج المبادرة العربية بخريطة الطريق في خطة سياسية جديدة تطرحها الإدارة الأميركية لاحقاً كحل للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وأوضحت هذه الصحف، نقلاً عن بعض المسؤولين العرب، أن هذا الاتفاق هو الذي جعل القمة العربية تصر على عدم تعديل المبادرة العربية، خشية أن تكون تلك القمة، بالمحصلة، الخطوة الأولى نحو تطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل، أو أن تكون الرغبة العربية في حل القضية الفلسطينية غطاءً لذلك التطبيع. وأضافت المصادر أن إصرار الإدارة الأميركية على الخروج بحل للمعضلة الفلسطينية سببه أنها وإسرائيل معنيتان "بهدوء تام" في الساحة الفلسطينية والعربية على حد سواء من أجل استئناف الحرب على "حزب الله" ومحاصرة إيران وسوريا، وربما ضرب الأولى. لقد أصبح بالإمكان قراءة ملامح مبادرة السلام العربية المجددة. فهذه أول مرة تحظى فيها مبادرة السلام التي أقرت في قمة بيروت عام 2002 بهذا الاهتمام. فإسرائيل تتحدث عنها، وكذلك الولايات المتحدة، بما يوحي باستعداد كل منهما للتعاطي معها إيجابياً. والفلسطينيون الذين كانوا يتخوفون من تعديل المبادرة العربية، وخاصة تجاه شطب حق العودة، سيتمسكون بتأكيد وزير الخارجة السعودي الأمير سعود الفيصل (وهو يمثل البلد الذي ولدت فيه فكرة المبادرة، ومضيف آخر قمة) حين قال بحزم: "للمرة العشرين لا تعديل للمبادرة"!. كذلك، تجدر الإشارة إلى ما قاله أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى، وهو أن المبادرة لم تحظ بالاهتمام والتسويق المطلوبين، في إشارة إلى ضرورة عرضها على مجلس الأمن الدولي، خاصة وأن المشكلة الكبرى بالنسبة لإسرائيل، ومن ورائها الولايات المتحدة، هي مسألة حق العودة التي يؤكدها قرار الأمم المتحدة رقم 194. إذن، وبعد أن انفضت القمة ثمة توجه بعرض المبادرة على مجلس الأمن بهدف إصدار قرار أو بيان، يستند على المبادرة، ويدعو الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للتفاوض على أساسها، خاصة بعد تصريحات إسرائيلية واضحة بهذا المعنى جاءت على لسان وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، مفادها أن المبادرة تصلح قاعدة لمسيرة تفاوض تركز على قضايا الحل النهائي (اللاجئين والحدود والقدس والمستوطنات) بحيث تبدأ المساومة الإسرائيلية المعهودة من أجل إسقاط أي بند من قضايا المرحلة النهائية. لكن رغم ما يقال الآن عن "مرونة إسرائيلية في التعامل معها"، فإن المبادرة العربية مازالت مرفوضة إسرائيلياً، لأنها تتحدث بصراحة عن انسحاب إسرائيل إلى خطوط الرابع من يونيو 1967، وهذا يعني الانسحاب حتى منتصف بحيرة طبرية، وعدم الإبقاء على أي مستعمرة/ "مستوطنة" يهودية في الضفة والجولان، وبأن تعود القدس الشرقية تحت السيادة الفلسطينية. إذن فالمشكلة بالنسبة لإسرائيل ليست "مشكلة" اللاجئين فقط. وحول سؤال ("لماذا لا توافق إسرائيل في الواقع على هذه المبادرة"؟) الذي طرحه بن كسبيت الكاتب الرئيسي في صحيفة "معاريف" (26 مارس 2007)، يجيب الكاتب نفسه بالقول: "الضعف السياسي البارز لحكومة أولمرت لا يسمح له في هذه المرحلة بأن يتخذ قراراً بهذا الحجم الكبير. ومن جهة أخرى يوجد أبو مازن الذي هو الآخر ضعيف سياسياً إلى أقصى حد. كلاهما مطوقان بسلسلة من الاضطرارات، والقرارات والتصريحات الإشكالية، وكذا بخصوم سياسيين عنيدين. وعندما يكون الطرفان ضعيفين بهذا القدر، يصبح من الصعب مطالبتهما باتخاذ قرارات دراماتيكية". ومع أن رايس تحركت لدفع عملية السلام إلى الأمام، والعرب جهدوا في قمة الرياض لتقديم ضمانات لإسرائيل تجاه التطبيع معها، يبقى ثمة غياب لأي مبادرة إسرائيلية في المقابل، فضلاً عن حالة العجز التي تعيشها الحكومة الصهيونية لدرجة أن أولمرت لم يرد على مبادرة القادة العرب بصورة إيجابية. ومع أن كثيرين يرون في مبادرة السلام العربية أساساً مقبولاً لحل الصراع العربي- الإسرائيلي، وخصوصاً الشق الفلسطيني منه، فإن الأهم في نظرهم هو خلق قاعدة جيدة للسلام الشامل بين الدول العربية وإسرائيل. فحتى قضية اللاجئين لا يجب أن تكون سبباً لرفض إسرائيل للمبادرة، خاصة وأن هذه الأخيرة، تعطي إسرائيل حق "الفيتو" تجاه القضية وتشترط موافقتها على أي حل! بل كان بمقدور أولمرت أن يقرب المسافات أكثر مع العرب لو اعترف بأن إسرائيل ساهمت في خلق هذه المشكلة وأنها مستعدة لأن تكون جزءاً من تعاون عربي دولي من أجل إيجاد حلول لها، الأمر الذي سيساهم بلاشك في تغيير الأجواء السائدة أقله بين القادة العرب وإسرائيل. وفي سياق متمم، فإن أكبر ما يتخوف منه الشعب الفلسطيني حقيقة هو أن تكون النتيجة بعيدة عن تحقيق بعض أحلامه، وأن تكون هذه التحركات مجرد مساعٍ لتحقيق إنجاز للرئيس الأميركي المأزوم. فوزيرة خارجيته تسعى منذ أكثر من شهرين للتوصل إلى خطة أميركية يوافق عليها محور الاعتدال العربي لتحريك المسيرة السياسية. ويجري الحديث، بحسب العديد من المصادر العربية والغربية، عن مؤتمر سلام كبير يعلن عنه قريباً يضم اللجنتين الرباعيتين، الدولية والعربية، والرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، ويكون على جدول أعماله استئناف المفاوضات السياسية على أساس المبادرة العربية، مع الالتفاف على أحد أهم البنود: إسقاط حق العودة بطريقة أو بأخرى. وفي ذلك "المؤتمر"، هل تثبت إسرائيل أنها يمكن أن تلجأ للسلام الحقيقي أم أنها دولة تريد سلاماً على مقاسها أشبه بهدنة لضمان أمنها في وقت ترفض فيه إعادة الحقوق المشروعة لأهلها ومنها الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967 وتفكيك "المستوطنات"؟! سؤال يجيب عليه "جدعون ليفي" في صحيفة "هآرتس" (10 أبريل 2007) حين يقول: "إن إسرائيل لا تريد السلام. فلقد انتهت ترسانة الذرائع ومخزن الرفض بات فارغاً، وإذا كان ممكناً حتى وقت أخير القبول بالكاد بجملة حجج وشروط إسرائيل مثل (لا شريك) و(لم يحن الوقت)، فإن الصورة الآن لا تدع مجالاً للشك، فقناع إسرائيل المحبة للسلام تمزق تماماً... لقد انقلبت الأمور رأساً على عقب، إسرائيل هي جبهة الرفض، ولاءات الخرطوم أصبحت لاءات القدس"، مضيفاً: "لم يعد أحد يأخذ كلام أولمرت على محمل الجد، فهو يواصل حديثه حول الفلسطينيين متهماً (لم يتغيروا، ولم يكافحوا الإرهاب، ولم يفوا بأي من تعهداتهم)، وكأن إسرائيل أوفت بتعهداتها وكأنها ليست المذنب الرئيس في فوضى الحياة تحت الاحتلال!".