تطالعنا الصحافة الاقتصادية من حين لآخر بعناوين من قبيل: الإمارات أكبر سوق عربية للصادرات الأميركية أو اليابانية أو الصينية أو غيرها من الدول، التي تستهدف بصادراتها السوق الإماراتية أكثر مما تستهدف أي دولة أخرى في المنطقة. خلاصة ذلك كله، أن الإمارات تتصدّر المركز الأول بالنسبة إلى واردات الدول العربية، بل إن واردات الإمارات، خلال العام قبل الماضي، شكّلت ما يزيد على ربع إجمالي الواردات العربية مجتمعة، بينما جاءت الإمارات في المركز الثاني من حيث حجم الصادرات العربية للعام نفسه. فرغم أن جانباً مهماً من ارتفاع واردات الإمارات يفسره ازدهار حركة إعادة التصدير في الدولة، فإن قراءة دقيقة للأرقام المتاحة تفصح عن ضعف واضح في هيكل التجارة الخارجية، خاصة بالنسبة إلى أبوظبي التي تبلغ وارداتها من الخارج أكثر من سبعة أضعاف صادراتها غير النفطية، بينما لا يزال جانب مهم من الصادرات المحلية إلى الأسواق الخارجية سلعاً معاداً تصديرها، أو مواد أولية، أو منتجات صناعية محلية ذات تقنيات منخفضة، قد تصبح في مجملها غير مطلوبة في هذه الأسواق مستقبلاً. لاشكَّ أن هناك معطيات تؤكد حيوية وديناميكية الاقتصاد الوطني الذي يواصل نموه وتوسّعه بخطوات سريعة. هذه المعطيات تمثلت بزيادة دور القطاع الصناعي باعتباره مساهماً رئيسياً في مجمل الاقتصاد المحلي بعد أن شهد ليس نمواً مستمراً فقط، بل اعتماداً على آخر الوسائل التكنولوجية المتطورة، وببروز إمارة أبوظبي ضمن أفضل أسواق الطيران والسياحة في المنطقة، ومساهمتها في دعم النمو الاقتصادي في العديد من دول العالم، من خلال استثمارات ضخمة في هذه الدول يتوزع على مجالات متنوعة. بخلاف هذه المحاور، التي يمكن أن يضاف إليها القطاع العقاري، الذي يشهد هو الآخر ازدهاراً قوياً، فإن أوزان القطاعات غير النفطية في الاقتصاد المحلي لا زالت ضعيفة، ومعتمدة بشكل أساسي على النفقات الحكومية، بشكليها الجاري والاستثماري، المعتمدة بدورها على الإيرادات النفطية المتذبذبة، ما يشكّل خطورة مستمرة على الاستقرار الاقتصادي للدولة، الأمر الذي يحتّم ضرورة البحث عن مشروعات استراتيجية بعيداً عن النفط. فرغم العديد من نقاط القوة التي يتمتع بها الاقتصاد المحلي حالياً، فإنها جميعها لا تغني عن تنويع قاعدة الإنتاج المحلية على مستويات متقدمة من الجودة والكفاءة وإتاحة دور أكبر للقطاع الخاص في الإنتاج والتصدير. فلا تزال هناك حاجة ملحة لإدخال مزيد من الإصلاحات الجوهرية في قطاع التجارة الخارجية وذلك من أجل إعادة التوازن لهذا القطاع المهم وتحفيز نمو الاقتصاد وتعزيز حيويته. ويمثل الاتجاه الرئيسي بهذه الاستراتيجية في تغيير المحرك التنموي من دعم الصادرات إلى إبدال الواردات ومن الاستثمار في المنتجات الأولية (المواد الخام كالنفط والمعادن) إلى الاستثمار في تطوير القطاعات الإنتاجية، حيث يتطلب ذلك عدداً من الشروط، منها: حماية الصناعات الوليدة من المنافسة الدولية، وتقديم الدعم التمويلي لهذه الصناعات، وتوسيع السوق المحلي بحيث يكون قادراً على استيعاب المنتجات المحلية، ونقل التقنيات العالمية الحديثة إلى الدولة وبناء أجيال صناعية محلية قادرة على تطويرها، واستثمار الموارد الهيدروكربونية والمعدنية واستغلال الميزة النسبية التي توفرها بدلاً من تصديرها خامات، وإيجاد قاعدة صلبة من المنتجات الأساسية التي تشكّل مرتكزاً لقيام أجيال ممتدة من الصناعات المكملة والمساندة التي تحقق التكامل الصناعي. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.