في وقت بدأ يخف فيه وقع الصدمة التي خلفها هجوم للمتمردين على منشأة نفط صينية في إثيوبيا، يسود شعور عام اليوم بأن حركة التمرد الصومالية آخذة في التوسع عبر منطقة القرن الأفريقي برمتها. وقد أسفر هجوم يوم الثلاثاء الماضي في منطقة أوجادين النائية، الواقعة جنوب شرق إثيوبيا بالقرب من الحدود مع الصومال، عن مقتل 74 شخصاً، بينهم تسعة عمال نفط صينيين. ويرى محللون إثيوبيون أن النطاق غير المسبوق للهجوم، والذي تبنته "جبهة التحرير الوطني في أوجادين"، يوحي بأنه لم يكن لينفَّذ لولا دعم الإسلاميين في الصومال المجاورة، والذين سحقتهم القوات الإثيوبية خلال اجتياح عسكري دام أسبوعين. كما ينظر بعض المحللين إلى الهجوم الأخير باعتباره مؤشراً على أن معركة السيطرة على العاصمة الصومالية مقديشو أضحت اليوم صراعاً إقليمياً. وفي هذا الإطار، يقول محمد جويو، المحلل بـ"معهد الدراسات الأمنية" في العاصمة الكينية نيروبي إن ثمة علاقة متينة بين إسلاميي الصومال ومجموعات متمردة مختلفة في إثيوبيا، مضيفاً أنه يتوقع حدوث مزيد من الهجمات على إثيوبيا في وقت يبحث فيه المتمردون في مقديشو عن حلفاء في صراعهم مع القوات الإثيوبية المحتلة، إذ يقول: "إن عدو جبهة التحرير الوطني في أوجادين هو الحكومة الإثيوبية، وعدو إسلاميي الصومال هو الحكومة الإثيوبية؛ وبالتالي فثمة اقتسام للموارد، ليس على صعيد الأسلحة والذخيرة فحسب، وإنما على صعيد أشياء أخرى أيضاً مثل اقتسام وسائل الإعلام". وقد شرعت القوات الإثيوبية يوم الأربعاء في عملية تمشيط واسعة في المنطقة المحيطة بالحقل النفطي بحثاً عن سبعة عمال نفط اختطفهم المتمردون. وأفاد شهود بأن نحو مائتي مسلح هاجموا المنشأة قبيل الفجر، فقتلوا تسعة عمال نفط صينيين و65 إثيوبياً. وقد وقعت الاشتباكات في "أبولي"، وهي بلدة صغيرة تبعد بنحو 75 كيلومتراً عن عاصمة الإقليم (جيجيغا). وفي بيان صحفي صدر بعد تنفيذ الهجوم بساعات، تبنت "جبهة التحرير الوطني في أوجادين" المسؤولية عن العملية، موضحةً أن رجالها دمروا المنشأة. وقد عللت المجموعة المتمردة هجومها بالقول إن صوماليي إثيوبيا هُجروا من أراضيهم عنوة من قبل القوات الإثيوبية لفسح المجال لمجيء الشركة الصينية. وتوعد البيان الشركات النفطية التي تبرم اتفاقات مع الحكومة الإثيوبية بعمليات مماثلة، وجاء فيه: "إننا نناشد جميع الشركات النفطية أن تحجم عن توقيع اتفاقات مع الحكومة الإثيوبية... وعليه، فإن أي شركة نفط تختار الاستثمار في أوجادين ستتكبد خسائر مماثلة إن هي صدقت التطمينات الأمنية التي تقدمها لها الحكومة الإثيوبية التي لم تسيطر أبداً على أوجادين فعلياً". "عبدي وفا"، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أديس أبابا، إثيوبي من أصل صومالي ينتمي إلى المنطقة نفسها التي وقع فيها الهجوم، يقول: "لقد كان عملاً جباناً، وباعتباري صومالياً وإثيوبياً، لا أشعر بالارتياح حيال هذا الأمر؛ ولا أعتقد أن عائلات الضحايا الأبرياء ستغفر للجناة". يُذكر أن حدة التوتر في المنطقة ازدادت خلال العام الماضي على إثر صعود إسلاميي الصومال الذين بسطوا سيطرتهم على مقديشو في يونيو الماضي وانتشروا بسرعة عبر البلاد، قبل أن يتكبدوا هزيمة في ديسمبر الماضي على يد القوات الإثيوبية المدعومة من قبل الولايات المتحدة، بسبب مخاوف أديس أبابا من صعود التطرف الإسلامي على حدودها. ونتيجة لذلك، تعلق القوات الإثيوبية اليوم في معركة مع فلول الإسلاميين الذين يُعتقد أنهم يتلقون المساعدة من إريتريا التي تعد العدو اللدود لإثيوبيا. وكانت الحكومة الإثيوبية قد سارعت يوم الأربعاء إلى ربط إريتريا والمتطرفين الصوماليين بالهجوم الذي استهدف المنشأة النفطية؛ حيث جاء في بيان أصدرته سفارتها في لندن أن "الشبكة الإرهابية التي تمتد من العاصمة الإرترية، أسمرا، إلى الصومال وما وراءها عمدت مرة أخرى إلى قتل المدنيين". وإلى ذلك، يشير تقرير نشرته الأمم المتحدة العام الماضي إلى أن "جبهة التحرير الوطني في أوجادين" نسجت علاقات مع إسلاميي الصومال ورُعاتهم الإرتريين. وكشف التقرير أن زعماء "جبهة التحرير الوطني في أوجادين" أكثروا التردد على منزل الشيخ حسن عويس في الصومال خلال الأشهر قبيل سيطرة "اتحاد المحاكم الإسلامية" على مقديشو ومناطق كثيرة من الصومال العام الماضي. وحسب التقرير الذي نُشر في مايو المنصرم، فقد كان أعضاء "جبهة التحرير الوطني في أوجادين" يسافرون إلى هناك لتلقي التدريب وتسلم الأسلحة التي تأتي من إريتريا المعروفة بدعمها لخصوم إثيوبيا. ومما يذكر في هذا السياق أن الشيخ عويس مطلوب من قبل الولايات المتحدة لعلاقته بالإرهاب. وفي هذا الإطار، يقول "ديفيد شين"، السفير الأميركي السابق في إثيوبيا: "في الماضي، كانت هجمات جبهة التحرير الوطني في أوجادين أصغر حجماً بكثير مقارنة مع الهجوم الذي استهدف المنشأة النفطية. وبالتالي، فإن إنشاء مجموعة بهذا الحجم -إن صحت التقارير- أمر مفاجئ جداً"، مضيفاً: "قد يؤشر ذلك إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار في المنطقة عموماً، والصومال بصفة خاصة؛ وهو ما يمنح دعماً إضافياً لجبهة التحرير الوطني في أوجادين". ـــــــــــــــــــــــ مراسل "كريستيان ساينس مونيتور" في أديس أبابا ــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"