نحن على أعتاب سيادة حكم الحريم، فمن ينظر حوله الآن يجد أنه على مدى السنوات القادمة ستصبح المرأة رئيسة أو رئيسة للوزراء في دول كثيرة من العالم، وخلال السنوات الخمس الماضية تولت 14 امرأة مسؤولية الحكم في كل من ليبيريا وكوريا الجنوبية، وجمهورية ساوتومي، وفنلندا، وتشيلي ، وموزمبيق، ومقدونيا، وأوكرانيا، وجزر الباهاما، وألمانيا، وجامايكا. والآن نحن على أعتاب منافسة شديدة لأمرأة تسعى إلى الوصول لكرسي السلطة في الولايات المتحدة وفرنسا. وهذا كله ليس بجديد، فالتاريخ القديم يؤرخ للملكة حتشبسوت التي حكمت مصر العليا لسنوات عديدة ولا يزال معبدها قائماً حتى الآن به سجل حافل لإنجازاتها السياسية والعسكرية، وكذلك حال الملكة كيلوباترا، ثم ملكة سبأ التي ذكرها القرآن الكريم، وملكة البربر "الكاهنة" التي قادت الجيوش دفاعاً عن وطنها، و"تينهنيان" ملكة الطوارق التي أسست دولة في جنوب الجزائر. كما أن تاريخ القرون الوسطى يشهد على وجود مؤثر للمرأة في كرسي الحكم في العراق وإيران ومصر وفرنسا وبوليفيا وجزر هاواي وبريطانيا. أما في التاريخ الحديث فقد مارست المرأة العمل السياسي كحاكمة ورئيسة وزراء في سريلانكا، والهند وإسرائيل وجمهورية أفريقيا الوسطى وبريطانيا والبرتغال والدومينكان والنرويج ويوغسلافيا وباكستان وليتوانيا وبنجلاديش وفرنسا وبولندا وبوروندي وتركيا وكندا ورواندا وبلغاريا وهاييتي ونيوزلندا ومنغوليا والسنغال. أي أن التاريخ الحديث والمعاصر يشهد على وجود فاعل للمرأة في حكم بلادها في كثير من دول العالم المتقدم والنامي و"النايم"، حتى في الدول التي تحكمها قبائل وتتحكم فيها العشائر مثل الدول الإفريقية، إلا الدول العربية المستعصية والعاصية على أن يكون للمرأة مكان في الحكم على الرغم من أن التاريخ العربي القديم يشهد على ممارسة المرأة لهذا الدور. بل إن تاريخ القبائل العربية شاهد على الدور الذي كانت تقوم به المرأة في إدارة شؤون الحياة عند غياب الرجال في الرعي أو صيد اللؤلؤ بجانب رعايتها للأولاد وتربيتهم، ولم تكن أبداً حبيسة ومنغلقة على ذاتها. لذلك فإن السؤال المهم اللازم طرحه هو: ما الذي يعوق المرأة العربية عن تولي مسؤولية السلطة؟ ورغم أن المرأة تمثل نصف المجتمع، بل إنها أحياناً وفي دول عربية كثيرة أصبحت أكثر من نصف المجتمع، وفي دول أخرى هي المجتمع كله، فإنها لم تأخذ حقها في السلطة؛ ونعني بها مستوى الدولة، أي أن تتولى المسؤولية على المستوى الاستراتيجي، ولهذا الأمر أسباب عديدة بعضها سياسي والبعض الآخر اقتصادي، ولكن أهمها الأسباب الاجتماعية. ومن أهم العوامل والأسباب التي تعوق ممارسة المرأة العربية للسلطة نجد الآتي: * الصورة النمطية للمرأة، حيث يراها المجتمع دائماً رهن المنزل، تتحمل مسؤولية رعاية الأبناء وخدمة بعلها، وعليها أن تلزم هذا المكان ولا تغادره قط حتى تذوق الموت. * الثقافة السائدة في المجتمعات العربية التي ترسخ قولبة المرأة في وظائف وأعمال خاصة، تحت زعم تركيبتها الفسيولوجية والنفسية التي تختلف عن الرجل، في حين أنه يوجد حريم أقوى من كثير من الرجال، علماً وثقافة وتحملاً ووطنية. * انتشار الثقافة "الذكورية" التي استطاعت إقناع المجتمع العربي، بمن فيه الحريم، بأن الرجل أقدر على القيام بالعمل العام، لما يتسم به من جرأة وجسارة، وتناسوا أن الفضائيات العربية الآن أكبر شاهد على أن المرأة باتت أكثر جرأة؛ وتخلت عن حيائها وكشفت عن كل شيء وتوارى الرجل خجلاً. * النظرة السلبية للعمل بالسياسة، حيث يراه البعض من الجنسين مضيعة للوقت من جانب، في حين يراه البعض الآخر "طق حنك" لا يفيد ولا يضر ومن الأفضل تجنبه من جانب آخر. * ضعف وهشاشة الدعم الحزبي للمرأة، وعدم قناعة القائمين على هذه الأحزاب بدور المرأة وقدرتها التنافسية، حتى إننا لا نرى وجوداً للمرأة في معظم لجان وهيئات الأحزاب في الدول التي تنتشر فيها الأحزاب حتى التخمة. * عزوف الحريم عن الاندماج في الحياة السياسية، إما نتيجة لضعف الثقافة والوعي السياسي، وإما لشعورهن بعدم جدوى العمل السياسي، وإما لاقتناعهن بأنه عمل ذكوري، ومن تعمل فيه تتهم بأنها "مسترجلة". * عدم وجود استقلالية اقتصادية للنساء، بل إن بعض الدول الحديثة في مسألة الانتخابات البرلمانية وجدت سيطرة كاملة من الأزواج على زوجاتهم في الترشح لعضوية البرلمان من خلال سيطرتهم على المال أو ولايتهم على الزوجة. * عدم قناعة معظم النساء بأن تمثلهن امرأة، إما نتيجة لضعف التنظيم "النسوي" في التصويت، أو لضغوط قبلية وعشائرية وأسرية، مثلما حدث في أحدث انتخابات برلمانية شهدتها إحدى دول الخليج العربية، حيث لم تحصل النساء في نحو 5 دوائر انتخابية على صوت واحد مما يعني أن المرشحة ذاتها لم تنتخب نفسها. * إننا أمام ظاهرة "حريمية" جديرة بالدراسة لتقف الشعوب العربية على حقيقة نظرتها للمرأة سواء من ناحية الحقوق أو الواجبات، وتتعرف على واقع مجتمع غريب لا زال ينظر للمرأة نظرة دونية، رغم أن الدين والدولة قد كرما المرأة، فالديانات جميعها تعترف بدور المرأة، والدساتير والتشريعات والقوانين حفظت للمرأة حقوقها. ولكن من المؤكد أن الحريم قادمون، سواء رضينا أم أبينا، فقد كان لهن دور الحكم في الماضي ولا يوجد ما يمنع أن يعود هذا الدور في الحاضر، غير أن على المرأة أن تثبت قدرتها على ممارسة العمل العام بأنواعه وأشكاله المختلفة. ويكون السؤال الذي يطرح نفسه: ما الجديد الذي يمكن أن تقدمه المرأة عندما تتولى السلطة؟ ونستطيع أن نتعرف على إجابات فكاهية لهذا التساؤل المشروع والجدي، إذا طالعنا مواقع المنتديات الذكورية والنسائية على شبكة الإنترنت، حيث سنجد أن معظمها يسخر من تولي النساء مسؤولية إدارة أمور الدولة، ويختصر هذا الدور في الألوان والأزياء والشكل الجمالي من مكياج وحلي وتمتع بالسيارات الفارهة ذات الألوان الأنثوية الجذابة، وتغيير ألوان أعلام الدول لتتمشى مع الموضة. ولكن التاريخ يشهد بكل صدق على نجاح النساء في السلطة، بل إن بعضهن قاد الجيوش وأدار المعارك وانتصر على الأعداء، والأخريات استطعن، بدهاء وحكمة ومهارة سياسية يُحسدن عليها، التخلص من أعدائهن بدفعهم إلى التقاتل فيما بينهم للفوز بشرف رضا المرأة أو الزواج منها، بل إن هناك قادة وزعماء وملوكاً عظاماً تنازلوا عن سطوتهم وعروشهم من أجل "حرمة". فإذا كانت المرأة قادرة على إدارة الشؤون المالية والتعليمية والقيام بمهام تربية الأبناء بنجاح، فإنها قادرة على إدارة الأسرة الكبيرة إذا امتلكت المرأة المهارة والقدرة على ذلك وتميزت فيها. قد يبادر البعض بالقول إن الرجال موجودون ولم يقصّروا، وهم كثر كغثاء السيل، فلماذا الحريم؟ والرد ببساطة أن المجتمعات المتقدمة، بل وأيضاً المجتمعات المتخلفة، تسعى دائماً إلى اختيار الأفضل للقيام بالمهمة دون النظر للجنس أو الدين أو العرق أو اللون أو الرائحة، لأن المنصب دائماً للأفضل والأكفأ، وليس للواسطة أو الكوسة مكان.