كثيرة هي المناقشات التي تدور في الكونجرس ووسائل الإعلام، ومنازلنا حول الطريقة الأفضل والأمثل لوقف تدفق العمال غير الشرعيين عبر الحدود الأميركية- المكسيكية؛ غير أنه لا يبدو أن ثمة وعياً بأن هذه المشكلة هي في طريقها إلى ألا تصبح كذلك بعد اليوم. بل إنه من المرجح أن ينصب القلق بخصوص الهجرة مستقبلاً على كيفية استمالة المكسيكيين والأميركيين اللاتينيين لدخول الولايات المتحدة بالأعداد التي نريدها. تمر المكسيك بتحول ديموغرافي حالياً؛ إذ تفيد بيانات مكتب الإحصاء المكسيكي أن الأيام التي كانت تتألف فيها الأسر من ستة أو سبعة أو عشرة أطفال قد ولَّت. وبالمقابل، يقدر معدل الولادات اليوم في المكسيك بـ2.2 ولادة -أي أكثر بقليل من معدل الولادات المسجل في الولايات المتحدة والبالغ 2.1 ولادة، والذي يعد "معدل الاستبدال"، أي المستوى المطلوب للحفاظ على عدد سكان مستقر مع مرور الزمن. وإضافة إلى ذلك، فقد ارتفع معدل الحياة في المكسيك إلى 75 عاماً، مقارنة مع 77 في الولايات المتحدة. وبالتالي، فمن المتوقع أن تصبح المكسيك، في ظل تراجع عدد الولادات وتمدد أمد الحياة، مجتمعاً شائخاً على غرار الولايات المتحدة. وباختصار، يمكن القول إن المكسيك على وشك أن تشيخ بشكل كبير. وخلال السنوات العشر الماضية، قدِم إلى الولايات المتحدة نحو 5 ملايين مكسيكي حيث قاموا بمختلف الأعمال، وبخاصة في مجالي الزراعة والبناء، وهو ما حافظ على أسعار الأغذية منخفضة وساهم في الطفرة الأخيرة التي شهدها مجال السكن. وقد كانت "جاذبية" الكثير من الوظائف الأميركية والرواتب المرتفعة عاملاً مهماً في هذه الهجرة، على غرار "عامل الدفع" المتمثل في تزايد سكان المكسيك النشطين، وضعف فرص العمل. بيد أن الوضع يتغير اليوم؛ إذ يعد توفير فرص العمل عنصراً رئيسياً ضمن أجندة الرئيس المكسيكي "فيليب كالديرون". والواقع أنه حتى في غياب وتيرة سريعة لخلق فرص العمل، فإن ضغط الهجرة -أو "عامل الدفع"- من المنتظر أن يخف ويتراجع. إذ تفيد منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي أن السكان النشطين -الذين كانوا يزدادون بأكثر من مليون عضو جديد كل عام خلال التسعينيات- لا يزدادون اليوم سوى بـ500000 سنوياً، وهو ما يعني نقصاً بنحو 5 ملايين عامل جديد خلال السنوات العشر المقبلة مقارنة مع العقد السابق، وهو عدد يعادل تقريباً عدد المهاجرين المكسيكيين غير الشرعيين في الولايات المتحدة. ويشير هذا الأمر إلى أن الديموغرافيا قد تحقق ما لم تتمكن حراسة الحدود من تحقيقه. وبالتالي، فمن المرجح أن يتراجع تدفق العمالة المكسيكية نحو الشمال في العقد المقبل. بموازاة مع ذلك، توجد الولايات المتحدة اليوم على شفا تغير ديموغرافي كبير خاص بها؛ ذلك أن عدداً من المنتمين إلى جيل طفرة الولادات (Baby-boom) -الفترة ما بين 1945 و1965- أصبح مؤهلاً للاستفادة من مزايا الضمان الاجتماعي. وعلاوة على ذلك، فمن المنتظر أن يحال العديد منهم على المعاش خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة. أما الجيل المقبل، جيل "ب"، وفي ظل غياب 15 مليون عضو جديد، فهو ليس بالعدد الكافي ليحل محلهم أو ليسد الوظائف الجديدة الشاغرة. ولما كان الجيل الذي بعده، جيل "ج"، الذي يتراوح من الرضع إلى طلاب الجامعات، أكبر عدداً، فإنه من المتوقع أن يلبي بعضاً من حاجات سوق العمل. بيد أنه من المرجح أيضاً أن يكون عمال جيل "ج" أفضل تعلماً وتدريباً من سابقيهم، وهو ما سيدفعهم بالتالي نحو الوظائف ذات المهارات العالية. وعليه، فإننا سنكون في حاجة إلى المهاجرين إذا أردنا للاقتصاد الأميركي أن يحافظ على نموه. وبناء على ما سلف، يتعين أن يأخذ النقاش حول سياسة الهجرة هذه الحقائق المستقبلية في عين الاعتبار. فالوضع الديموغرافي الحالي -التدفق الكبير للمهاجرين المكسيكيين وارتفاع إقبال المشغلين الأميركيين عليهم- يعكس قانون العرض والطلب. أما إغلاق حدودنا، فلن يغير ذلك اليوم مثلما لن يساعدنا على التكيف مع الخصائص الديموغرافية وأسواق العمل المتغيرة في المستقبل. والواقع أن نظام الهجرة يتعين أن يُحدِث توازناً بين ضغوط العرض والطلب، وليس تكريسها؛ وأن يكون بمثابة صمام قانوني ومرن لتدفق العمالة. ولهذه الغاية، يمكن اعتماد برنامج "العامل-الضيف"، الذي قد يعلو أو ينخفض وفق حاجيات سوق العمل، إضافة إلى طريق يتيح إمكانية حصول المهاجرين على الجنسية لاحقاً. إنه أمر يقوم على عملية عادلة تحفظ الكرامة، ويمكن من خلالها للعمال غير الشرعيين المتواجدين في الولايات المتحدة اليوم أن يصبحوا في وضع قانوني، كما تقوم على التخطيط بعيد المدى مع المكسيك (ودول أخرى من أميركا اللاتينية). إن هذه الاستراتيجية العملية تعد المقاربة الوحيدة بشأن إصلاح قانون الهجرة التي تعزز أمن حدودنا الدولية اليوم وعلى المدى البعيد. ذلك أنها تضمن للولايات المتحدة استمرار نموها؛ وتتجاوز مجرد الرد على الوضع الحالي بحواجز وعراقيل غير فعالة تأتي بغير ما هو مرجو منها. شانون أونيل ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ زميلة "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي، وأستاذة بكلية العلوم السياسية بجامعة كولومبيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"