ما الذي يجعل إرهاب التطرف الإسلامي بهذه الدرجة من الخطورة والتأثير؟ وهل هو مختلف عن بقية أنواع التطرف والإرهاب الذي أقدم ويقدم عليه أتباع الملل والديانات والأحزاب السياسية الأخرى؟ ولماذا وكيف؟ إرهاب الجماعات الإسلامية المتشددة، فيما أعتقد، يختلف، وربما يتشابه بعض الشيء، في عشرة جوانب، عن الموجود والممارس في بعض الدول الأخرى، هذه الجوانب هي: 1- حجم المشاركين في النشاطات الإرهابية! فلا أحد يعرف بالطبع عدد المتورطين في عضوية ونشاطات وخلايا هذه التنظيمات السرية، ولكن من الواضح أنها قادرة منذ سنوات طويلة، في العالم العربي والإسلامي، على اجتذاب آلاف الشباب وتجنيد عدد لا يستهان به من الراغبين في التعاون معها بل وتقديم حياتهم رخيصة في سبيل تنفيذ سياساتها. ويقدر البعض عدد المنتمين إلى تنظيم "القاعدة" بالآلاف، ولكن حتى الجماعات السلفية الجهادية والتكفيرية في الفلبين وإندونيسيا وباكستان ودول الخليج ومصر وشمال أفريقيا، لا تشكو من نقص في الكوادر البشرية! وهكذا، فأينما وليت وجهك في هذه البلدان، وجدت في حياتها السرية وربما العلنية، جماعات تعمل بنشاط في ممارسة الأعمال الإرهابية باسم الإسلام. ولا يعتمد كل نشاط جماعات الإسلام السياسي على العنف بالطبع، ولكن الأفكار المتشددة وجماعات الطرح التكفيري، لم تعد جيوباً معزولة وجماعات ثانوية، بل تضاعفت خطورتها من خلال استخدام وسائل الاتصال الحديثة وبخاصة الفضائيات التلفزيونية والإنترنت. وبالفعل، لا يوجد في العالم كله نشاط إرهابي بهذا الحجم البشري والإعلامي الذي نراه في العالم العربي والإسلامي! 2- بالرغم من اختلاف الوسائل والقليل أو الكثير من الشكليات التنظيمية والحركية، فإن معظم الأهداف النهائية والاستراتيجية متشابهة ومتطابقة بين جماعات الإرهاب والتشدد من جانب، وبقية جماعات وأحزاب الإسلام السياسي، فهم جميعاً متفقون عموماً في طبيعة "المخاطر التي تواجه الإسلام والمسلمين في هذا العصر"، وفي تشخيص طبيعة الأنظمة السياسية "التي فرضها الغرب والاستعمار واليهودية العالمية" على العرب والمسلمين، وفي أنه لا شرعية لهذه الأنظمة وقوانينها الجاهلية، وفي أنها مستمرة في السلطة بسبب الاستبداد والتخويف وتهاون شعوب العالم الإسلامي، وفي أن العالم الإسلامي لن يهدأ إلا بإسقاط كل هذه الأنظمة، بالإرهاب كما ترى جماعة تنظيم "القاعدة" أو بالعمل السياسي أو بخليط من هذا وذاك... كما ترى الجماعات الإسلامية والعلنية "الوسطية"! وهكذا، فنحن في الواقع بين فكي الكماشة، فك ينزل فوق رؤوسنا بين حين وآخر، وفك ينهش في منجزاتنا باسم الدين و"الإسلام الصحيح"! 3- تزداد خطورة إرهاب التشدد "الإسلامي"، إذا وضعنا في الحسبان أن هذه التنظيمات تنشط في بيئة إسلامية عامة تشاركها الكثير من المفاهيم والعقائد. صحيح أن هذه الجماعات الإرهابية تلتزم بتعاليم بن لادن والمقدسي...إلخ، ولكنها كذلك تستغل سائر الأفكار والعقائد وثوابت الإيمان والإسلام في كسب تعاطف الجمهور وتأييده، فهي ليست مثلاً جماعات يسارية تحمل إلى الجمهور المسلم "أفكاراً غريبة مستوردة"، ولا تتحدث إلى عامة الناس بمصطلحات يجهلون مدلولاتها، وإنما تخاطب الناس بلغة دينية وتعيد توظيف الآيات والأحاديث والفتاوى ضمن سياق مختلف، ثوري وعنيف، ولكنه مفهوم ومؤثر ومحرك. ومما يسهل مهام جماعات الإرهاب السرية ما تقوم به جماعات الإسلام السياسي العلنية من غسيل يومي وشهري وسنوي منذ أكثر من قرن أو نصف قرن، لعقول شيب وشباب ورجال ونساء العالم العربي والإسلامي، ولهذا لا تسير جماعات الإرهاب في طرق وعرة المسالك مجهولة المداخل والمنافذ. ومن هنا، فالجهد الدولي ضد الإرهاب قد يمنع وصول بعض الطعام إلى السمك لبعض الوقت، ولكن أنّى له أن يجفف من حوله الماء! 4- يتعاطف قطاع واسع من العرب والمسلمين، بسبب الإحباط السياسي وتسلط الفساد والاستبداد وفشل التنمية، مع بعض الشعارات التي تروِّج لها جماعات الإسلام السياسي والجماعات الإرهابية على حد سواء. 5-وبسبب جمود الفكر السياسي واستمرار الطرق القديمة في تدريس التربية الإسلامية وهيمنة ثقافة العنف واللاتسامح في حياتنا السياسية، يرى هذا القطاع من الجمهور في الإرهابي الديني وسيلة ناجعة في التصدي للسلطات، أو الانتقام من بعض الأقليات، أو تصفية بعض الحسابات. وبما أن الكثير من عامة المسلمين ينظر إلى النصارى واليهود والبلدان الغربية عموماً نظرة عداء ويعتبرها في حالة تآمر مستمرة ومعاداة متصلة ضد العالم الإسلامي منذ قرون طويلة، فإن النشاط الإرهابي الذي تقوم به جماعات "القاعدة" مثلاً في نيويورك ولندن ومدريد وباريس، وضد السياح الأجانب في العالم العربي نفسه، يجد بسهولة من يتعاطف معه ويؤيده بحرارة في صفوف عامة المسلمين للأسف الشديد! وهكذا نرى، في جملة النقاط المذكورة، مدى خطورة وتميز النشاط الإرهابي في العالم الإسلامي من زاوية حصوله على تعاطف واسع متعدد المنابع والأهداف لدى جمهور واسع وسط مئات الملايين من المسلمين. 6- لا غرابة إذن، في أن ينجح تنظيم كـ"القاعدة"، أو جماعات الإرهاب في العراق وأفغانستان وأوروبا، في أن تستقطب الأعضاء والانتحاريين من مختلف الملل والقوميات، بل وأن تجند أبناء الجاليات الإسلامية في بريطانيا وفرنسا وكندا والولايات المتحدة.. في خدمة أهدافها. ولو قارنا مثل هذا التنظيم في العالم الإسلامي بأي تنظيم إرهابي في العالم المسيحي أو اليهودي، أو أي دين آخر، لما وجدنا تشابهاً، وحتى لو نظرنا إلى الكاثوليك في دول أميركا اللاتينية مثلاً، لما وجدنا منظمة إرهابية كبرى، تضم في صفوفها مجاهدين من شيلي والأرجنتين والبرازيل وهندوراس والمكسيك، بهدف إسقاط هذه الأنظمة وإنهاء النفوذ الأميركي في أميركا الوسطى والجنوبية، رغم كل الفقر والمشاكل والبطالة والظلم والفقر والاستغلال والبؤس في العديد من دول تلك المنطقة! 7- تعيش جماعات التشدد والإرهاب في مختلف الدول ضمن إمكانيات مالية محدودة، أما في العالم العربي والإسلامي، فهناك قدر هائل من الأموال في خدمة النشاط الإرهابي. ولاشك أن القيود التي فرضت منذ أحداث سبتمبر 2001 قد قللت كمية هذا المال، أو دعنا نصدق هذا! إلا أن العالم العربي، وبخاصة منطقة دول الخليج والجزيرة، وكذلك بعض أقطار العالم الإسلامي، من الثراء بما يجعل قضايا تمويل الإرهاب من أبسط الأمور، وبخاصة أن العديد من العمليات المدمرة لا تحتاج إلى مبالغ ضخمة بل جماعات صغيرة تنفذ التعليمات! 8- يتميز إرهاب جماعات التشدد الإسلامي كذلك، إلى جانب التمويل الذاتي، بحصوله على دعم دائم أو مؤقت من بعض الهيئات الدينية المتمكنة في هذه الدول، فقد تكون السلطة الرسمية ضد الإرهاب وجماعاته والهيئة الدينية الرسمية أو الجمعيات الإسلامية من داخل البلاد متعاطفة معه! فبعض الدول تستخدم علاقتها مع هذه المنظمات كورقة في صراعها مثلاً مع الولايات المتحدة وأوروبا، ودول أخرى تستخدمها في صراعها مع دول عربية وإسلامية مجاورة مثلاً. وفي أحوال عديدة تتظاهر هذه الدول بأنها تحارب الإرهاب وتعادي منظماته ونشاطاته، بينما تكون في الواقع ضالعة معها، بل وبعض الأطراف الحكومية أو بعض شيوخ الدين أو قيادات العمل الإسلامي على صلة بها... وأي صلة! 9- من أخطر ما بيد منظمات الإرهاب في العالم الإسلامي من إمكانيات، هذه الثقافة الدينية الإسلامية المخطوفة والمستغلة لتحقيق أهداف هذه المنظمات، فقد تقوم بجرائم قتل مروعة وتسمي ذلك جهاداً، وقد تنصب مدافعها أو تزرع متفجراتها بين الأحياء السكانية وتبرر ذلك بحديث أو فتوى، وقد تغتال بعض الشخصيات بعد أن تفتي بأنهم من أعداء الإسلام وخصوم المسلمين، وقد تثير الفتن الطائفية بعمليات التصفية ونسف دور العبادة وقتل المصلين باسم محاربة الفرق الضالة.. وهكذا! وتضفي الجماعات الإرهابية صفات أولياء الله على زعاماتها، وصفات الشهادة والقدسية على عناصرها التي تقع قتيلة في معاركها ضد السلطات المحلية والدولية. وهكذا تستغل النصوص الدينية في مجال الجهاد والاستشهاد، وما في هذا المجال من تكريم وتبجيل وتقدير، لتشمل أي عنصر من عناصر التنظيم يلقى حتفه! ومثل هذه الطقوس والميزات لا نراها في بقية الجماعات الإرهابية.. خارج العالم الإسلامي! فمعظم تلك الجماعات عبارة عن تنظيمات محدودة العدد والأهداف والإمكانيات، في منطقة الباسك أو جزيرة سيلان أو حتى ايرلندا، وليس هذا بالطبع واقع حال الإرهاب في عالمنا العربي والإسلامي المهدد! 10- يتميز إرهاب تنظيمات العالم الإسلامي أخيراً، بعنفه الشديد وضحاياه الكثر ووسائله الوحشية البشعة وعدم تردده في مجالات قتل الأطفال والنساء وعامة الناس من المدنيين، وإتلاف الممتلكات، والاستخدام الواسع النطاق للتفجير والقتل والتفخيخ والتصفية والاغتيال، وغير ذلك كثير. ولو راجعنا سلسلة عملياتها في المغرب والجزائر ومصر والعراق والسعودية وتركيا وإندونيسيا، بل وخارج العالم الإسلامي في أوروبا والولايات المتحدة، لرأينا الكثير مما يؤكد هذا المنحى.