هناك الكثير من الشواهد التي تبرهن على افتقار معظم مؤسساتنا ووزاراتنا إلى قنوات حوار داخلي بين قمة الهرم المؤسسي وقاعدته، أو بين الموظفين ومخططي السياسات وصانعي القرارات داخل الوزارة أو المؤسسة؛ ولعل لجوء بعض الموظفين إلى الشكوى من خلال الصحف ومنتديات الرأي وغير ذلك من قنوات ومنابر، تعجّ بشكاوى من مظاهر معاناة، أو مظالم تقع عليهم، أو حتى من تغييب آرائهم وتجاهل خبراتهم، كل ذلك يعني أن هناك غياباً واضحاً لقنوات الاتصال المفترضة بين درجات الهرم الوظيفي، أو أن هناك تعتيماً منهجياً يُمارس من جانب مستويات وظيفية معيّنة ضد شكاوى المستويات الأقل، بحيث تغلق مسارب إيصال وجهات النظر والآراء التي ينتظر منها نقل مظاهر الشكوى والمعاناة الوظيفية إلى أصحاب الحل والعقد في هذه الوزارة أو تلك. الأمثلة على هكذا أوضاع عديدة، ولكن الواضح للعيان منها الحديث المتكرر عن غياب الحوار بين قيادات وزارة التربية والتعليم من جهة، والميدان التربوي من جهة ثانية، فالصحف تنشر شكاوى عن أوضاع وظيفية سلبية، وبعض المؤتمرات المتخصصة التي عقدت مؤخراً قدمت نموذجاً على الافتقار إلى آليات تواصل بين الوزارة والميدان. أما وزارة العمل فقد شهدت مؤخراً حواراً عبر صفحات الجرائد بين بعض مفتشي الوزارة ووحدة العلاقات العامة بالوزارة، وثار جدل حول تأخر الوزارة في صرف مكافآت نظير المشاركة في حملة الوزارة لوقف العمل أثناء ساعات الظهيرة، وبطبيعة الحال يفهم مبدئياً أن المسألة تتعلق بعمل أنجز وانتهى في الصيف الماضي، ونحن على أبواب صيف جديد، بينما لا تزال الشكوى من عدم تلقي المكافآت قائمة تتداول عبر صفحات الجرائد. الإشكالية هنا ليست في حق المفتشين في المكافأة من عدمه، وليست كذلك في تأخر الصرف وغير ذلك، ولكن جوهر الموضوع في هكذا حالات يتعلق بافتقار بعض الوزارات إلى قنوات داخلية موضوعية يمكن اللجوء إليها عند استشعار الموظف لمعاناة ما، أو الرغبة في إزالة سبب للشكوى، أو استيضاح سياسة إدارية تلتبس عليه أو على شريحة من الموظفين. سياسة الأبواب المفتوحة ليست شعاراً، ولا ينبغي أن تُمارَس بانتقائية، ووجود آليات للتواصل الفعلي داخل الوزارات والمؤسسات مسألة حتمية، ونحن نتحدث عن استراتيجيات التطوير في المرحلة المقبلة، لأن اللجوء إلى الصحافة كمنبر لتوصيل الآراء يعكس الإخفاق في الوصول عبر المسالك والدروب المتاحة داخل الوزارات والمؤسسات الحكومية، أو على الأقل يعني وجود نقص في معدلات الثقة في موضوعية الجهة التي يفترض فيها استقبال شكاوى الموظفين والعمل على حلها، أو رفعها إلى مستويات إدارية أعلى لاتخاذ القرار الصائب بشأنها. لا تكاد وزارة أو جهة حكومية تخلو من إدارة أو قسم للعلاقات العامة، وأحياناً تضاف إلى لافتة هذه الإدارات والأقسام مسميات أخرى ذات صلة توحي بعمق الدور والقناعة بأهميته، لكن ما يحدث على أرض الواقع في كثير من الأحيان يبدو مغايراً للمستهدف، وأيضاً لطبيعة مهام هذه الأقسام؛ فالعلاقات العامة تختزل دورها في مهام حصرية تسقط من بينها الجمهور الداخلي، أو الموظفين والموظفات ممن يفترض أن يكونوا موضع اهتمام ورعاية من جانب هذه الأقسام والإدارات، لتحسين شبكة علاقات العمل، ودعم بيئة العمل بكل ما هو إيجابي، ويحقق مصلحة المؤسسة أو الوزارة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.