في إشارة مزعجة إلى برنامج إعادة الإعمار الذي ترعاه الولايات المتحدة في العراق، كشف مفتشون تابعون لوكالة فيدرالية تُعنى بالمراقبة أن من بين المشروعات الثمانية التي أعلنت الحكومة الأميركية أنها نجحت في إنجازها سبعة منها توقفت عن العمل بسبب مشاكل تتعلق بالسباكة، وأعطال في الشبكة الكهربائية، أو غياب أعمال الصيانة، فضلاً عن نهب المعدات، أو عدم استخدامها. وقد سبق للولايات المتحدة أن اعترفت في السابق، تحت ضغط المفتشين الفيدراليين، بتخليها عن بعض مشاريع إعادة الإعمار، أو أنها تأخرت عن موعدها المحدد، لكنها المرة الأولى التي يكشف فيها المفتشون بأن المشاريع التي أُعلن رسمياً عن نجاحها توقفت عن العمل. وغطت عملية التفتيش التي قامت بها وكالة فيدرالية أميركية مناطق جغرافية مختلفة من شمال العراق وجنوبه وهمت مشاريع متنوعة مثل مستشفى للولادة، وثكنة للقوات الخاصة العراقية، ثم محطة لتزويد مطار بغداد الدولي بالكهرباء. فقد كشف المفتشون أن المبالغ الطائلة التي أنفقت على اقتناء مولدات كهربائية جديدة لمطار بغداد الدولي والمقدرة بحوالى 11 مليون دولار جزء منها لا يعمل بالطريقة المناسبة. أما في مستشفى الولادة الذي أقيم في مدينة أربيل بشمال العراق كجزء من الجهود المبذولة لإعادة الإعمار وتقريب الخدمات الصحية من المواطنين العراقيين، فقد اكتشف المفتشون أن جهاز حرق المُخلفات الطبية، الذي كلف أموالاً طائلة، لا يُستخدم لأنه بعد إغلاقه أضيع مفتاحه. والنتيجة أن البقايا الطبية مثل الحقن، والضمادات المستعملة ترمى مباشرة في مياه الصرف ما يتسبب في اختناقها، واحتمال تسربها إلى نظام توزيع المياه، خاصة وأن محطة معالجة المياه التي أقيمت حديثاً لا تعمل هي الأخرى. وقد أكد مكتب المفتش العام المكلف بمراقبة عملية إعادة الإعمار في العراق، وهي الوكالة الفيدرالية التي قامت بالتفتيش، أنه حاول انتقاء نماذج متنوعة من مشاريع إعادة الإعمار لمراقبة فعاليتها دون جدوى بسبب صعوبة الدخول إلى بعض المناطق الخطرة التي توجد بها تلك المشاريع. ولهذا السبب يعتبر مكتب المفتش العام أن المشاريع الثمانية، التي وصلت كلفتها الإجمالية إلى 150 مليون دولار، لا يمكن الاعتماد عليها كمقياس للحكم على المشاريع الأخرى المندرجة في إطار جهود إعادة الإعمار، والتي تصل كلفتها الإجمالية إلى 30 مليار دولار. ومع ذلك يقول المسؤولون إن النتائج الأولية التي كشف عنها المفتشون تثير مخاوف حقيقية حول مستقبل عملية إعادة الإعمار في العراق. فقد تم إقرار تلك العمليات كجزء أساسي من عملية فرض الاستقرار التي تقوم بها القوات العسكرية بغرض تمكين الحكومة من الإسهام في انتعاش الدورة الاقتصادية، فضلاً عن تحسين صورة أميركا في العراق. وفي هذا السياق أشار "ستيوارت باوين"، الذي يترأس مكتب المفتش العام في حوار أجري معه يوم الجمعة الماضي إلى أن "التفتيش يؤكد المخاوف التي تراود البعض من فشل الحكومة العراقية في مواكبة الاستثمارات الكبيرة التي تُقام في العراق". ويقول "باوين" إنه بسبب من هذه المخاوف التي تطال قدرة الحكومة العراقية على متابعة المشروعات التي تم تنفيذها وضمان سيرها، وجه للمفتشين بمراقبة تلك المشاريع التي انتهى من إنجازها قبل ستة أشهر للتأكد من طريقة سيرها. ورغم أن تقرير المفتشين لم يلقِ باللوم على جهة معينة، فإن البرنامج الأميركي لإعادة الإعمار في العراق، تعرض لانتقادات متكررة بسبب الغياب المسجل في موازنات المشاريع لتكاليف قطع الغيار والتدريب، وعناصر أخرى ضرورية لاستمرار سير المشروعات حتى بعد الانتهاء من إنجازها. ويأتي التقرير الأخير الذي أشرف عليه مكتب المفتش العام ليعضد تلك الانتقادات. فقد أكد الموظفون الطبيون في مستشفى أربيل، على سبيل المثال، أنهم حصلوا على معدات جديدة لتوزيع الأكسجين في جميع غرف المستشفى، لكنهم تركوها لصالح النظام القديم في التوزيع. هذا ويتحمل العراقيون أنفسهم جزءاً غير يسير من المسؤولية عن تعثر مشاريع إعادة الإعمار التي تراكمت مشاكلها أكثر عندما سلمت الولايات المتحدة سلطة إدارة تلك المشاريع إلى الحكومة العراقية. وبالإضافة إلى المطار والمستشفى وثكنة القوات العراقية الخاصة التي عثر فيها المفتشون على مشاكل جمة هناك أيضاً مشروعان في قاعدة "الناصرية" بأحد مراكز التجنيد بالقرب من "الحلة"، فضلاً عن محطة للشرطة في الموصل. ورغم أن تلك المشروعات اعتبرت ناجحة وتراوح تاريخ الانتهاء من إنجازها بين الستة أشهر والسنة ونصف السنة، فإن التفتيش أظهر ثغرات كثيرة في سيرها العام. فقد توقفت مولدات الكهرباء عن العمل، كما أن نظام الصرف الصحي يعاني من الاختناق ما يؤدي إلى فيضانه، وتحطم بعض الأجزاء من المباني، فضلاً عن النظام الكهربائي الذي انتزعت منه عناصر أساسية، إلى جانب المعدات الغالية التي لم تستخدم قط. واللافت أن معظم المشاكل التي تواجه مشاريع إعادة الإعمار في العراق غير مرتبطة بعمليات التخريب التي يقوم بها المتمردون، بل هي نتيجة الضعف الذي يعتري تلك المشاريع ذاتها، بالإضافة إلى عمليات النهب التي تطالها أحياناً. ولعل أبرز مثال على تعثر المشاريع التي أُعلن عن نجاحها في السابق هو المشروع الذي أنجزه فيلق المهندسين في الجيش الأميركي وقدرت تكلفته بحوالى خمس ملايين دولار لبناء ثكنة للقوات الخاصة العراقية في بغداد. فرغم أن الانتهاء من المشروع تم في 2005، فإن الزيارة الأخيرة التي قام بها المفتشون كشفت عن مجموعة من المشاكل تتعلق بالسباكة المهترئة، والأعطال التي طالت مولدات الكهرباء دون أن يهتم بإصلاحها أحد. وتُعزى هذه الحالة المتردية للثكنة، حسب المفتشين، إلى الإهمال أكثر منها إلى صعوبة حل المشاكل، حيث كان من السهل إصلاح المولدات والقيام بأعمال صيانة دورية تحافظ على الحالة الجدية للثكنة وتضمن استمرارها. جيمس جلانز ـــــــــــــــــــ محرر الشؤون الخارجية في "نيويورك تايمز" ــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"