بالروح بالدم نفديك يا زعيم، ويموت الشعب ويحيى القائد، الهزيمة الحقة عندما يموت القائد، أما ضياع الوطن فهو فدوى للقائد الحي... موجات من التصفيق الحار والنداء الساخن لعودة القائد واستكمال مسيرة الانتكاسة التي تجر الأمة العربية ذيولها إلى الآن. ما حدث في حرب الأيام الستة مع الجيش العربي العرمرم ليس له مثيل على مر التاريخ البشري، وحتى الحروب البينية التي كانت تقع بين العرب أنفسهم كحرب البسوس استمرت أربعين عاماً من أجل ناقة في مضمار السباق. بعد حرب يونيو تحولت إسرائيل إلى دولة الكل يخشى بطشها وسطوتها، وتحول المهزوم بالمقابل إلى طرف ضعيف يقدم التنازلات للمنتصر مع خطوة للاندماج مع العدو الذي كان أزلياً وأصبح معترفاً به من قبل بعض الدول العربية والآخرون في الطريق إلى ذلك، بعد موافقة القمة العربية الأخيرة على المشروع المقدم للسلام الدائم مع إسرائيل. الأمم في مسيرة التاريخ القديم والحديث تُصاب بالنكبات والنكسات، حتى المتقدمة منها مرت بدورات من الهزائم التي يقف أمامها المراقب في حالة من الاندهاش الذي تجمد المشاعر عن التعبير عنه. فانتكاسة الأمم عادة تكون ككبوة الحصان وزلة العالم وكلاهما لا تدوم كما دامت لأمة العرب، فاليابان وألمانيا دُكتا دكاً في الحروب العالمية الكبرى، ومع ذلك تقدمتا الركب الحضاري في غضون عقود لم تتوقعها مراكز الأبحاث الكبرى التي أعطت تقييمات زمنية لعودة الحياة في تلك المجتمعات في فترة لا تقل عن قرابة قرن من بعد الهزيمة الشنيعة التي سببتها أسلحة الدمار الشامل، إضافة إلى فكر هتلر الذي حول ألمانيا إلى ركام وحطام تتناثر حوله الصقور التي قتلت الحمائم في موجة عنصرية لم يشهد التاريخ البشري لها مثيلاً. أما أمة العرب أمام تلك الأمم فإنها ظلت تنتحِب وتتذكر وتندب حظها العاثر بلا خطة موضوعة لانتشالها من ضغط تلك الانتكاسة التي طال أمدها وأمدت الهزائم المتتالية بالتغذية الراجعة، حتى ظن البعض من محبي جلد الذات وكارهيها أن نكسة يونيو فرَّخت سلسلة من هزائم أحجار "الدومينو" التي تتساقط بصورة منتظمة، وكأنه القدر المحتوم الذي يجب الوقوف عنده. خلال أربعة عقود تضخمت إسرائيل، العدو السابق، أربعين مرة، مقابل تراجع العرب عن النهوض من تلك الانتكاسة التي نسميها هنا تجاوزاً بالكبوة التي طال أثرها كل شأن من شؤوننا. حتى أن البعض اختصر تلك الطامة الكبرى في قول واحد يصف فيه الفرق بين عهد عبدالناصر وعهد السادات بالتحول الذي جرى على خطاب عبدالناصر الحماسي باسم الشعب، واستهلال السادات في خطبه باسم الله حيث جعل أحد المهزومين نفسياً من حال الأمة بكل خطاياها على اسم الله -حسب قوله- حوّل مصر إلى دولة دينية لا تطاق، يبدو وأن منطق الأعرابي الذي قال عندما وجد ناقته الضائعة في الصحراء: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، هو الذي يسود خطاب البعض أو أن هناك قلة من الخروتشوفيين يحلمون بعودة الاتحاد السوفييتي إلى الحياة بعد دفنه في عقر داره، وكأن خروتشوف يتمثل أمامنا معترضا ًعلى تعليق أحد المصريين عندما رأى مياه السد العالي تتدفق في منظر يبهر الأبصار فأردف قائلاً: سبحان الله، فرد عليه خروتشوف الذي كان حاضراً حفل تدشين السد قائلا: نحن بنينا السد وهذا يسبح الله، محتجاً على سلوك المصري البطل بالفطرة. فإسرائيل خرجت من العدم إلى الوجود في المقدمة، واليابان ملكت مفاتيح الاقتصاد والتكنولوجيا، وألمانيا الموحدة توجت رئيسة للاتحاد الأوروبي، وأما العرب فبانتظار قطار "أوسلو 3" للوصول إلى مبتغاهم.