تشهد الدولة، ومنذ أكثر من شهرين، "مسح إنفاق ودخل الأسرة"، الذي تنفذه "وزارة الاقتصاد" بالتعاون مع "دائرة التخطيط والاقتصاد" بأبوظبي و"مركز دبي للإحصاء". وفي ظل "ندرة" البيانات الإحصائية، التي تخدم وتساعد في رسم الخطط والسياسات المتصلة بظروف معيشة السكان، خاصة في خضم التحوّلات الاقتصادية الكبيرة التي تشهدها الدولة، حالياً، يكتسب هذا المسح أهمية كبرى للتعرف إلى أنماط وأنواع الإنفاق الاستهلاكي وتبيان متوسطات إنفاق الأسرة والأفراد على السلع والخدمات المختلفة والوقوف على العوامل المؤثرة في ذلك كالتعليم والجنسية والحالة الاجتماعية وتوفير الأوزان التي تعكس الأهمية النسبية لبنود الإنفاق المختلفة التي تستخدم في بناء الأرقام القياسية لأسعار المستهلكين وقياس معدلات التضخم تتبلور، من خلال هذا المسح تباعاً، مؤشرات أولية يصرّح بها بعض القائمين على أمر هذا المسح، وتفصح عن "مفارقات كبيرة" في أنماط وأنواع الإنفاق الاستهلاكي في الدولة. من هذه "المفارقات" استحواذ "بند الإيجارات" وحده على جزء كبير من دخل الأسر، حيث رصد المسح فئة من الأسر يستحوذ "بند الإيجار" على 60% من دخلها الشهري، وفئة أخرى على 50% وفئة ثالثة 40%، بينما بلغ المتوسط العام على مستوى الدولة ما نسبته 45%. وإذا كان هذا "المسح" قد رصد ارتفاع "بند الإيجارات" في مكونات الإنفاق، وأنه يرتفع بصفة خاصة في إمارتي أبوظبي ودبي، فإن "بند الإيجارات" ضمن ميزانية الأسر في الإمارات الشمالية يزداد هو الآخر بوتيرة متصاعدة. إن "معطيات" هذه المؤشرات المبدئية تتفق مع "نتائج" بعض الدراسات الحديثة التي تشير إلى أن معدل "إيجار العقارات" ارتفع، خلال العامين الماضيين، في أبوظبي بنسب وصلت إلى أكثر من 100% لبعض الوحدات السكنية والتجارية، وأن نحو 50% من الوافدين المقيمين بأبوظبي أصبحوا لا يستطيعون ادخار أي أموال، بعد أن أصبح "الإيجار" يكلّف المستأجر ما بين (40-60%) من دخله، ما جعل الفجوة كبيرة بين مستوى الدخل والأسعار وتكلفة الحياة. وإذا ما كان "ارتفاع الإيجارات" هو العامل الأساسي في "التضخم"، الذي لا تقتصر تبعاته على الموظفين، بل تتعداهم لتشمل شرائح أخرى تصنف تقليدياً بأنها من ذوي الدخول المرتفعة، بعد أن طال هذا الارتفاع كل وحدات القطاع العقاري، من شقق ومساكن ومستودعات ومحال ومعارض وغيرها، فإن المستهلك العادي هو من يتحمّل تبعات ذلك كله. ففي ظل الوزن النسبي الكبير الذي تمثله "الإيجارات" في "ميزانيات الأسر"، والارتفاعات السنوية المطّردة في هذه الإيجارات، بنسب سنوية تراوح ما بين 10- 20%، رغم القوانين الحكومية التي تحاول ضبطها، لم تعد زيادة الرواتب قادرة على مواكبة "ارتفاع الإيجارات" التي تجلب ارتفاعاً موازياً في السلع والخدمات. بحسب المؤشرات الأولية التي تكشفت عن "مسح إنفاق ودخل الأسرة"، حتى الآن، جاء "بند المحروقات" في المرتبة الثانية للإنفاق، وهذا البند كسابقه (الإيجارات) لا يتوقف عند حدوده الضيقة، بل تترتب عليه انعكاسات سلبية مباشرة على مستوى الأسعار في البلاد، وترتفع على إثره تكلفة السلع والخدمات، بفعل ارتباط الوقود بالأنشطة الاقتصادية كافة، ما أضعف كثيراً القوة الشرائية لدى المستهلكين، وأضعف كذلك "القدرة التنافسية" لدى جميع القطاعات غير النفطية. وبهذا المفهوم، فإن اتزان معادلتي الإيجارات وأسعار الوقود يجب أن يكون ضمن أولويات سياسة "مكافحة التضخم"، الذي أصبح مدعاة للقلق ومصدر تهديد للازدهار الاقتصادي. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.