أثار التقرير الأميركي حول الاتجار بالبشر ردود فعل غاضبة من دول الخليج العربية. مثلاً النائب السلفي الدكتور وليد الطبطبائي، مقرر لجنة حقوق الإنسان في مجلس الأمة الكويتي، اعترف بوجود بعض "التجاوزات"، ولكنه أضاف أن الولايات المتحدة هي آخر من يجب أن يتحدث عن حقوق الإنسان. في قطر صرح علي بن صميخ المري، الأمين العام لمنظمة حقوق الإنسان الحكومية، بأن تقرير الخارجية الاميركية غير عادل البتة، لأنه أغفل الكثير من التطورات الإيجابية التشريعية والتنفيذية في هذا المجال. في سلطنة عُمان قال عبدالعزيز بن عباس البحراني إن الاتجار بالبشر معدوم في عُمان. أما عضو مجلس الشورى السعودي محمد آل زلفة فقد صرح بأن المعلومات التي تحصل عليها المنظمات الحقوقية غير مؤكدة، ونفى نائب رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية الحكومية وجود تجاوزات، وأكد أن هذه التقارير تفتقد الموضوعية والمصداقية. ردود الفعل الخليجية متوقعة، لأن دول الخليج دأبت على إنكار وجود أي تجاوزات لحقوق العمالة الأجنبية في بلدانها، رغم التقارير المحلية والعربية والدولية التي تؤكد وجود هذه "التجاوزات". في رأيي الخاص لا يمكن إنكار وجود تجاوزات في بلدان الخليج العربية، والدليل على ذلك ما تنشره الصحف الخليجية اليومية من إعلانات عن العمالة المنزلية وغيرها، وتوفرها والاستعداد لاستيرادها كـ"السلع" بأسعار مختلفة حسب الطلب.. هل يمكننا في الخليج إنكار أن "نظام الكفيل" يعطي المستخدم (المواطن) قدراً كبيراً من السيطرة على العمالة؟ لماذا ننكر حقيقة أن لدينا أحياناً عمالة فقيرة رثة لا تستلم رواتبها عدة أشهر من الشركات التي جلبتها للعمل لتنفيذ مشاريع كبرى في بلداننا؟ مظاهر التعسف والاستهتار التي يقوم بها البعض في القطاع الخاص بالذات، بالبشر الضعفاء، والذين يعيشون بيننا، واضحة وضوح الشمس، فالعمالة المنزلية لا يحدد لها البعض ساعات محدودة للعمل والراحة والإجازة وغيرها من الحقوق. لقد سخَّروا أفراد العمالة المنزلية للعمل على مدار الساعة، بدون أي حقوق قانونية تكفل حقوقهم.. وإذا اشتكوا للجهات الرسمية ربما يتم ترحيلهم. يبدو أن دول الخليج العربية لم تعِ حتى الآن أهمية وخطورة التقارير الدولية، خصوصاً تقارير وزارة الخارجية الأميركية، وجمعيات حقوق الإنسان في العالم. من الخطأ اعتبار هذه التقارير خاصة بدول الخليج العربية فقط. هنالك تقارير تشمل كل دول العالم، حتى الصين الشعبية، التي يزدهر اقتصادها سنوياً، لم تسلم من انتقادات التقارير الدولية التي تتهمها بالتجاور على حقوق الإنسان الصيني.. فالتقارير الدولية ذات طابع دولي إنساني يخص الدول التي يتم فيها تجاوز حقوق الإنسان، ولا تلتزم بالمعايير والاتفاقيات الدولية الخاصة بهذه الحقوق. التقارير الدولية الخاصة بدول الخليج تصب في النهاية لمصلحة هذه الدول وشعوبها، فمنذ بداية الحملة الدولية ضد دول الخليج، بدأنا نشهد بروز جمعيات حقوق إنسان شعبية مثل الكويت وبعض الجمعيات الحكومية المهتمة بحقوق الإنسان مثل السعودية وقطر وعُمان.. هذه الجمعيات لا يمكن إنكار محاولاتها لتعزيز حقوق العمالة الوافدة والحد من ظاهرة الاتجار بالبشر.. لكن المشكلة تكمن في الشعوب التي لم تعِ الأهمية الحضارية للالتزام بالمبادئ الإنسانية لحقوق الإنسان.. هذه التقارير لم تأتِ من فراغ، فالعالم اليوم يتابع كل الأحداث في بلداننا فلا داعي للنفي ولوم الآخر، واعتبار ما يدرج في هذه التقارير "مؤامرة" ضد العرب والمسلمين.. كل الأحداث مُدوَّنة وموثقة.. فلا داعي للإنكار.. لنعمل جميعاً لتحسين أوضاع البشر في كل بقاع المعمورة. د. شملان يوسف العيسى