اختتم في أبوظبي، أمس، مؤتمر "مكافحة الجرائم الإلكترونية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، والذي خرج بتوصيات مهمة بشأن سبل وآليات تعزز جهود الدول الخليجية في مكافحة هذا النوع من الجرائم، الذي بدأ ينتشر في هذه الدول بمعدلات متسارعة، بحكم ما تتميز به من وفرة مالية كبيرة ومستوى دخل مرتفع، كما أنها حديثة العهد نسبياً في استخدام التكنولوجيا الحديثة في مجال الاتصالات والإدارة والأعمال المصرفية والمالية، وهذه المعطيات تشكل بيئة خصبة لعمل عصابات الإجرام الإلكتروني. بالنسبة إلى دولة الإمارات، التي تحتلّ المرتبة الأولى بين البلدان العربية، من حيث توظيف التقنية الرقمية، ومستوى الجاهزية الإلكترونية، والتي كان لها قصب السبق في إصدار أول قانون لمكافحة جرائم تقنية المعلومات بالدول الخليجية، والتي تتصدّر أيضاً منطقة الشرق الأوسط بأكمله، في مجال الإنفاق على الأمن الإلكتروني، فإنها في الوقت نفسه تظلّ من بين أكثر الدول التي يستهدفها الإجرام الإلكتروني، حيث يشير أحدث تقرير حول تهديدات أمن "الإنترنت" الذي أصدرته شركة "سيمانتيك"، إلى أن دولة الإمارات احتلت الترتيب رقم 44 عالمياً، من بين 180 دولة رصدها التقرير، كدولة مستهدَفة بالهجمات الإلكترونية. وهكذا، فبقدر ما تتقدم الإمارات بخطوات متباعدة في تعميق وتوسيع دائرة التعامل الإلكتروني، تتولد باستمرار تحديات تهدد هذا التوجّه، حيث يظل (الأمن الإلكتروني) الهاجس الأول في الكثير من الأعمال التي تعتمد بصورة متزايدة على التقنيات الإلكترونية في الكثير من مراحل العمل. فالإجرام والاحتيال الإلكتروني يواصلان تطوير أساليبهما باستمرار، بينما تظل دولة الإمارات، بحكم المكانة الاقتصادية والإلكترونية البارزة التي تحتلها اليوم، أكثر عرضة من غيرها من دول المنطقة لهذا النوع من الإجرام، ما يحتّم ضرورة مضاعفة الجهود الرسمية وغير الرسمية، لتوفير بيئة أكثر أمناً للتعاملات الإلكترونية. وفيما تندفع دولة الإمارات بكثير من الحماس لإحداث نقلة في توفير الخدمات إلكترونياً، من منطلق مواكبة ما يحدث في العالم المتقدم، من خلال مشروع (البوابة الإلكترونية) الذي يمثل منصّة متكاملة، تتيح للعملاء إجراء معاملاتهم مع الحكومة عبر شبكة "الإنترنت" من دون حاجة لزيارة دواوين الوزارات للاستفسار أو لإنجاز المعاملات، وهي خطوة سابقة لمشروع (الحكومة الإلكترونية الاتحادية)، يبقى التحدي الرئيسي أمام هذه الحكومة المرتقبة، يتمثل في تعزيز مقومات نجاح وصلابة (الأمن الإلكتروني)، الذي يشكل أحد أهم مقاييس نجاح هذا المشروع، بل وفي طريقه لأن يكون في المستقبل القريب أحد أركان الأمن القومي للدولة. إن الجديد في الجرائم الاقتصادية في العالم، أنها بدأت تستخدم الوسائل والتقنيات الحديثة ليس للاتصال بين المجرمين أو شبكات الفساد والعصابات فقط، وإنما أصبحت هذه الوسائل الحديثة تُستخدم بذاتها كأداة للجريمة ووسيلة لتنفيذها بشكل مباشر ومن دون انتقال الجاني إلى مكان الجريمة، ومن دون استخدام أوراق أو مستندات أو أسلحة أو أي أداة مادية أخرى ملموسة، ما يضيف عبئاً ثقيلاً على الطاقات البشرية التي تتعامل مع هذا النوع من الجرائم، والمؤلفة من المحامين، والمستشارين القانونيين، والقضاة، والخبراء، والذين يجب تأهيلهم وتدريبهم باستمرار في مجال التقنيات الحديثة والجرائم الإلكترونية، من خلال مختبر للأدلة الإلكترونية يعمل على تطوير قدراتهم في مجال فحص الأدلة، وتتبّع المجرمين، والقبض على المتورّطين في القضايا الإلكترونية التي تهدد الأمن الوطني بأبعاده المختلفة. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.