في شهر مايو 1961، وعد الرئيس "جون فيتزجيرالد كنيدي" الأمة الأميركية بهبوط رائد فضاء على القمر في نهاية العقد وعودته منه مرة ثانية إلى الأرض. وحدد الرئيس كنيدي في ذلك الوقت بعض الأهداف الأخرى التي يتعين تحقيقها خلال تلك الفترة الزمنية، ومنها تطوير سفينة فضاء للسفر للقمر،وتطوير تقنيات جديدة لتعزيز قوة دفع الصواريخ، ونشر منظومات لرصد الظروف الجوية وأقمار اصطناعية للاتصالات. وقال كنيدي في الخطاب الذي طالب فيه الكونجرس بدعم هدفه إن المجهود الأميركي للصعود إلى القمر "سيستمر لسنوات عديدة وسيتطلب تكاليف باهظة للغاية وأنه قد طلب حشد القوى البشرية والفنية والعلمية اللازمة للعمل في هذا المشروع الكبير". أما اليوم، فإننا نجد أن العديد من القادة السياسيين، يقولون إن التغير المناخي هو التحدي الذي يواجه جيلنا تماماً- مثلما قال كنيدي إن إرسال رحلات إلى القمر والعودة منه هو التحدي الذي كان يواجه جيل الستينيات. ولكن الشيء الذي يُؤسف له أن قادتنا اليوم غير قادرين على إدراك ما هو المطلوب بالضبط لمواجهة هذا التحدي. فنحن اليوم نجد أن السباق الذي يشهده الكونجرس وعدد من الولايات من أجل تبني مبادرات تهدف إلى استصدار قوانين جريئة لوضع حدود قصوى للإنبعاثات الغازية، منفصل تماماً عن الواقع الخاص بإمدادات الكهرباء، وعن التقنيات المطلوبة لتقليص إنبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في البلاد. ويقدر العلماء أن 50 في المئة من الكهرباء المتوافرة في الولايات المتحدة مستمد من طاقة الفحم، وأن 20 في المئة منها مستمد من الطاقة النووية.أما الغاز الطبيعي فإنه يولد تقريباً 17 في المئة من احتياجاتنا من الكهرباء، وتساهم القوى المائية في توليد 7 في المئة منها، كما تساهم المصادر غير المائية المتجددة بـ 1.6 في المئة أما أنواع الوقود الأحفوري، فتساهم في توفير النسب المتبقية. فالفحم يلعب دوراً رئيسياً، لأنه متوافر بكميات هائلة محلياً، علاوة على انخفاض واستقرار سعره، مما يجعل منه مصدراً مثالياً لتوليد الطاقة بشكل ثابت. هذا عن مزاياه، أما عن عيوبه فتتمثل في أن الفحم ينتج كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون عند احتراقه. وعلى الرغم من أن الصناعة قد نجحت في تخفيض نسبة الانبعاثات الأخرى، بما في ذلك ثاني أكسيد الكبريت و"أوكسيد النيتروز" فإنه لا توجد لدينا تقنيات جاهزة لتخفيض نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ومصادر الطاقة المتجددة مثل طاقة الريح، تمر الآن بمرحلة نمو كبير، علاوة على أن الإجراءات المتبعة لتحقيق الكفاءة في استخدام الطاقة، تساعد على إبطاء الطلب، ولكن هذه المبادرات، لا يمكن أن تقترب من تعويض استخدامنا للفحم. ووضع حد أعلى لانبعاثات الكربون قبل تطوير التقنية القادرة على تخفيض نسبة تلك الإنبعاثات فعلياً، سوف يؤدي إلى فرض ضريبة على الشعب الأميركي من دون تحقيق أي منافع بيئية، وهو لن يفيدنا بشيء في النهاية، مما يحتم علينا البحث عن وسيلة أفضل. المطلوب بدلاً من ذلك هو الشروع في جهد جماعي من قبل قطاع الطاقة ذاته، ومن قبل المستهلكين، والمجتمع البيئي، من أجل الضغط على الكونجرس، وعلى إدارة بوش للوفاء بما وعدوا به من برامج مثل الفحم النظيف، ومصادر الطاقة المتجددة، والطاقة النووية الجديدة، وبرامج كفاءة استخدام الطاقة. ومما يذكر في هذا السياق أن الأموال التي تخصصها الحكومات الفيدرالية للبحوث والدراسات التي تهدف لتطوير استخدامات الطاقة قد انخفضت بنسبة 85 في المئة منذ ثمانينيات القرن الماضي، أما الجهود الرامية لتمويل المبادرات التي تم التكليف بها بموجب "قانون سياسة الطاقة" الصادر عام 2005 فهي مبادرات متقطعة- في أحسن الأحوال- وتفتقد صفة الاستمرار. وإذا عرفنا أن الرئيس كنيدي قد طالب بتخصيص مبالغ تتراوح ما بين 7 إلى 9 مليارات دولار لتمويل برنامج الفضاء في ستينيات القرن الماضي، وهو ما يعادل ما بين 46 إلى 60 مليار دولار اليوم، فإننا سنفاجأ عندما نعرف أن ميزانية البحوث والتطوير الفيدرالية حسب بيانات وزارة الطاقة تصل بالكاد إلى 2 مليار دولار. إن الأولوية الرئيسية لأي برنامج لتخفيض إنبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في الجو، يجب أن تكون تأسيس شراكة تمويل طويلة الأمد بين القطاعين العام والخاص لتوفير الأموال اللازمة للأبحاث والتطوير وطرح تقنيات تخفيض الإنبعاثات في السوق. وبالإضافة إلى تمويل أساليب جديدة لتخفيض إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فإننا نحتاج أيضاً لإجراء المزيد من الأبحاث من أجل تحقيق اختراقات في مجال الطاقة المتجددة، والطاقة النووية، وتخفيض مستويات الطلب، وتحسين أنظمة نقل الطاقة عالية الجهد، وإجراء تعديلات على المصانع الموجودة حالياً خصوصاً تلك التي تعمل بأنواع الوقود الأحفوري. تحقيق النجاح في عملية تخفيض إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون ليس معناه تفضيل تقنية على أخرى، وإنما معناه أننا يجب أن نستخدم جميع التقنيات المتاحة لتحقيق هذا الهدف بعد التنسيق بينها ذلك لأن كل تقنية يمكن لها أن تلعب دوراً في ذلك. فبدلا من الاكتفاء بوضع حد أعلى لنسبة الإنبعاثات الغازية ثم الانتظار وتمني حدوث الأفضل، يتعين على الكونجرس أن يعمل على تطوير حزمة متكاملة من التقنيات، والاستثمارات، والطاقة المتجددة، وقوانين كفاءة استخدام الطاقة، وحوافز ضريبية والعمل على إجراء تغييرات في السياسات من أجل تخفيض نسبة إنبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون سواء في المدى المباشر أو الطويل. وعلى الرغم من أن ذلك يبدو هدفا طموحا للغاية إلا أنه في الحقيقة هدف قابل للتحقيق بشرط دعم جميع الأميركيين له. ديفيد سوكول رئيس مجلس إدارة شركة "ميد أميركان إنيرجي" القابضة ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"