دروس من الانتخابات التركية... وآمال في تحقيق العدالة بكمبوديا دلالات الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة، ومغزى الشراكة الأطلسية بين لندن وواشنطن، ومهددات انحسار الحريات المدنية في بريطانيا، وبدء محاكمة عدد من قادة الخمير الحمر في كمبوديا... موضوعات نعرض لها ضمن إطلالة سريعة على الصحافة البريطانية. الدرس التركي تحت هذا العنوان، نشرت مجلة "ذي إيكونومست" في عددها بتاريخ 26 يوليو المنصرم، مقالاً تحليلياً جاء فيه إن المعركة الانتخابية التركية الأخيرة، كشفت عن قدرة التيارات الإسلامية المعتدلة، التي تلتزم النهج الديمقراطي، على الفوز بثقة ودعم الناخبين، حتى في دولة شديدة التمسك بعلمانيتها، مثل تركيا. ووصفت المجلة ذلك الفوز الساحق الذي حققه حزب "العدالة والتنمية" في تركيا، في انتخابات يوليو المنصرم، بأنه مؤشر على نجاح سياسي باهر بكل المقاييس. وفي ظل الظروف التي جرت فيها الانتخابات الأخيرة هذه، ومما ثار من جدل واسع النطاق حول أجندة الإسلاميين الخفية في تركيا، ومن تهديدات صريحة مشددة وجهها الجيش للمؤسسة السياسية الإسلامية، بما فيها ما ثار من مخاوف من احتمال إقدام الجيش على تدبير انقلاب عسكري، مصحوبة بالمخاوف من شن غزو تركي محتمل لشمال العراق، وصولاً إلى المخاوف من تدهور العلاقات التركية الأميركية- الأوروبية، كان ممكناً لكل هذه المؤشرات أن تمثل وصفة مكتملة العناصر لإثارة الاضطرابات والقلاقل السياسية في أنقرة. غير أن الانتخابات التي أجريت، بددت كل تلك المخاوف، وأكدت أن تركيا دولة ذات تجربة ديمقراطية راسخة. بل لا بد من القول أيضاً إن نتائج الانتخابات هذه، جاءت بمثابة صفعة قوية وجهها الناخبون إلى المؤسسة العسكرية التي لوحت بعصا التهديد بالانقلاب العسكري في حال فوز الإسلاميين بالانتخابات، لما تراه فيهم هذه المؤسسة من خطر محدق بالمسار العلماني الذي اختطه لتركيا القائد المؤسس كمال أتاتورك. جوهر خصوصية العلاقات الأطلسية: كتب "توم بورتيوس"، مدير الفرع البريطاني لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" الأميركية، مقالاً افتتاحياً نشرته صحيفة "الجارديان" في عددها الصادر بتاريخ 30 يوليو الماضي، حاول فيه تحديد ما هو جوهري حقاً في خصوصية العلاقة بين لندن وواشنطن، من وجهة نظره كناشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان. ومع إعلان الكاتب عن اتفاقه مع ما صدر عن رئيس الوزراء البريطاني الجديد، "جوردون براون"، من تأكيد على خصوصية العلاقة التي تربط بين لندن وواشنطن، أي خصوصية العلاقة الأطلسية، وكونها تقوم في الأساس على القيم المشتركة الراسخة في جانبي المحيط الأطلسي، إلا أنه قال إن تجربة عمله المشترك مع نظرائه وزملائه الأميركيين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، عبر منظمة "هيومان رايتس ووتش"، هي في الواقع بمثابة تلخيص لجوهر هذه العلاقة وقيمتها الأساسية. وإذا كان "براون" قد حاول تحديد القيم المشتركة التي تحدث عنها بأنها تتلخص في الإيمان المشترك بين جانبي المحيط الأطلسي، بالحرية وكرامة الإنسان، وإتاحة الفرص اللازمة لخيره ورخائه وازدهاره، فإن عليه أن يضيف إليها قيم العدالة واحترام حقوق الإنسان، حتى تكتمل طبيعة الشراكة الأطلسية هذه. ويتطلب هذا من كلا القائدين الأطلسيين، أن يعترفا بإخفاقات بلديهما المشتركة في مجال حقوق الإنسان، سواء في العراق أو في أفغانستان أو في باكستان، وصولاً إلى فضائح سجن جوانتانامو. ومن أسف أن اللقاء الأخير بين براون وبوش، لم يتطرق إلى هذه الإخفاقات لا من قريب ولا من بعيد! الحقوق المدنية البريطانية في خطر: عن هذا الأمر كتب "هنري بورتر" مقالاً تحليلياً نشرته صحيفة "ذي أوبزيرفر" في عددها الأخير ليوم الأحد 29 يوليو الماضي، ربط فيه الكاتب بين هذا الخطر الذي بات يهدد الحريات المدنية للمواطنين البريطانيين، والسياسات التي يتبناها رئيس الوزراء الجديد، "جوردون براون" في مجال مكافحة الإرهاب. وقال الكاتب إن مكمن هذا الخطر، يتلخص في "البطاقة الأمنية الجديدة" التي فرض حملها وإصدارها لجميع المواطنين والمقيمين في بريطانيا، في إطار السياسات المتبعة الآن في مكافحة الإرهاب الدولي، وعناصر تنظيم "القاعدة" على وجه الخصوص. ومن رأي الكاتب، أن هذه السياسات لم تثبت أي فعالية تذكر في وقف الهجمات الإرهابية على بريطانيا نفسها، علاوة على فشلها في مكافحة الإرهاب سواء في مدريد أم العراق أم أفغانستان وغيرها، منذ أيام سلفه السابق توني بلير. بل إن المرجح أن تتدهور أوضاع حقوق الإنسان والحريات المدنية في بريطانيا، على نحو غير مسبوق في ظل سياسة بطاقة الهوية الأمنية هذه. وقال الكاتب إن الدولة قد ضاعفت نفوذها على الأفراد عشرات المرات مؤخراً، باسم مكافحة الإرهاب والحفاظ على الأمن، والخوف أن يمتد هذا النفوذ إلى مجالات أخرى من حياة الفرد وحرياته، لا علاقة لها البتة بالإرهاب ولا مكافحته. واحتج الكاتب على سلسلة الانتهاكات التي ترتكب الآن ضد المبادئ الأساسية التي قامت عليها الديمقراطية البريطانية، من اعتقال تحفظي وإصدار عقوبات من دون محاكمة، بحق المشتبه بهم في جرائم الإرهاب وغيرهما من إجراءات تعسفية. القصاص من قادة حركة "الخمير الحمر": أشارت صحيفة "ذي إندبندنت" في أحد تقاريرها ليوم أمس الأربعاء، لما أسمته بالعدالة المؤجلة في كمبوديا، التي شهدت أفظع الجرائم المرتكبة بحقوق الإنسان، على يد قادة حركة "الخمير الحمر"، خلال الأعوام 1975-1979. وفي معرض وصفها لتلك الانتهاكات، ذكرت الصحيفة أن 1.7 مليون مواطن كمبودي لقوا حتفهم إعداماً وتجويعاً ومرضاً وتشريداً، بعد أن أفرغت المدن والقرى من ساكنيها وأرجعت دورة تاريخ البلاد إلى العام رقم صفر. وتمكن قادة هذه الحركة من تطهير 20 في المئة على الأقل من المواطنين، بما فيهم النساء والأطفال والشيوخ، عبر المجازر الجماعية المروعة التي ارتكبتها الحركة. وبعد سنوات طويلة أمضاها الضحايا وذووهم الذين نجوا من هذه المآسي البربرية البشعة، في الأمل والتطلع لأن تأخذ العدالة مجراها بحق مرتكبي تلك الجرائم، فقد لاح بريق ذلك الأمل مؤخراً بالإعلان عن بدء التحقيقات مع خمسة من قادة الحركة، من قبل محكمة جرائم حرب مختصة، تشكلت، خصيصاً لمحاكمتهم، من قضاة تابعين للأمم المتحدة، ونظرائهم الكمبوديين. وكما هو معلوم، فقد توفي القائد العسكري الأعلى للحركة، "تا موك" أثناء حبسه في السجن العام الماضي، بينما توفي الجنرال "بول بوت"، في عام 1998. إعداد: عبد الجبار عبدالله