إن اتجاهات الرأي العام أصبحت تشكِّل المرتكز الأساسي لاتخاذ القرار في معظم دول العالم، لذلك تنتشر في الدول المتقدّمة المؤسسات العلمية والمهنية المتخصّصة في قياس الرأي العام. إلا أن دولة الإمارات، التي تبدو في أمسِّ الحاجة لجهود هذا النوع من المؤسسات، بهدف إيجاد قدر أكبر من المشاركة المجتمعية العامة أو النوعية في رسم السياسات التنموية العامة للدولة، لا تزال تعاني قصوراً واضحاً في هذا المجال، بينما تكتنف عمليات قياس الرأي العام المحلي بوساطة الجهات غير المتخصِّصة، التي انبرت لسدّ هذه الثغرة، العديد من المشكلات المنهجية والفنية التي تفقد نتائج الاستطلاع في أي من القضايا التي تطرحها أي قدر من المصداقية. إن استطلاعات الرأي التي تجريها هذه الجهات تفتقر لتحقيق المصداقية اللازمة لدى الجمهور أنفسهم ناهيك عن صانع القرار كي يكون لها حظ ما في الاعتبار عند اتخاذ القرارات. ثمة انتقادات منهجية موضوعية عديدة توجَّه إلى عمليات استطلاع الرأي العام المحلي التي تجريها جهات عدة غير متخصِّصة، وذلك من حيث المنهج العلمي السليم، الذي يتم تطويره باستمرار حسب الزمن والبيئة والمجتمع، والحياد المطلوب للقيام بمثل هذا العمل، والموضوعية في تناول المسائل محط البحث أو الاستطلاع، وطبيعة وخبرة وقدرات فريق البحث الميداني، وصولاً إلى المنهج المتبع في دراسة وتحليل نتائج الاستطلاع. في ظل كثرة ادعاء الحديث عن الرأي العام المحلي، خاصة في ظل تنامي اللجوء إلى الوسائل الأقل كلفة، والأسرع، والأكثر رواجاً اليوم عبر "الإنترنت" والهاتف والإذاعة والتلفزيون، وغيرها، وهي استطلاعات ناقصة ومضلِّلة في آن، فإنه من الأهمية بمكان إدراك أهمية تحقيق المصداقية الأعلى لهذه الاستطلاعات والاهتمام الأكبر من قبل الدولة بها، وتسيير اتجاهاتها حتى يتعامل معها الجميع بثقة كافية، والاستفادة من هذا المصدر المهم والسريع أيضاً للمعلومات في تحقيق تحفيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبناء الدولة الحديثة، في إطار مجموعة من الأسس والقواعد والمواثيق الأخلاقية المنظمة لممارسة استطلاعات الرأي العام، ودعم البحوث والدراسات التي تهتم برصد ودراسة اتجاهات الرأي العام، وفرض الضوابط والإجراءات والوسائل اللازمة التي تضمن دقّة نتائج الاستطلاع، بالإضافة إلى أهمية تعاون الجمهور لإنجاح مهمّة استطلاع الرأي، وهو ما يعطي الاستطلاع مصداقية أكبر إلى جانب أدائه بالطرق العلمية السليمة والآليات والأدوات المناسبة. إن الساحة المحلية في حاجة ماسّة لبناء الثقة في نتائج ومعطيات قياس الرأي العام، بما يدعم الاستفادة القصوى لمتخذ القرار على المستويات الاقتصادية والسياسية والإعلامية من التعرف إلى اتجاهات الرأي العام. كما أن المراكز والجامعات والجهات الأخرى التي تلجأ من حين لآخر لاستطلاع آراء الجمهور في قضايا بعينها، وتبني على نتائج هذه الاستطلاعات قرارات خطيرة، مطالبة بتوفير البيئة المهنية السليمة للقيام بمثل هذا العمل في جميع مراحله. وإذ ما توافرت الشروط والمعايير اللازمة لممارسة مثل هذا العمل، فإن هذه الجهات يمكن أن توظف وحدات قياس الرأي العام المُلحقة بها في تحقيق دخل اقتصادي مهم، ودعم رسالتها العلمية أو البحثية أو الإعلامية أو غيرها، كما أن القطاع الخاص يمكنه أن يستثمر في هذا المجال، ويؤسِّس مراكز قياس الرأي العام المتخصِّصة في المجالات كافة كوحدات خاصة، تقدّم خدمات التدريب والاستشارات إلى المؤسسات الحكومية والإعلامية والاقتصادية والعلمية في الدولة، وبما يجعل من هذا العمل عملاً احترافياً موثوق النتائج والاستنتاجات. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية