السؤال الرئيسي الذي يشغل ذهني حول الثمار السياسية المتوقعة من المؤتمر الدولي للسلام، الذي دعا إليه الرئيس بوش لتسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، هو سؤال يقول: ترى هل يكون هذا المؤتمر فرصة حقيقية لمعالجة الصراع العربي-الإسرائيلي وضمان الاستقرار في المنطقة، أم يكون مجرد مناسبة احتفالية كبرى تذكرنا بمؤتمر مدريد الذي دعا إليه الرئيس بوش الأب عام 1993، ولم ينجم عنه في أرض الواقع سوى توليد اتفاقية أوسلو المرحلية؟ إن تلك الثمرة الوحيدة لمؤتمر السلام في مدريد لم تخدم قضية الاستقرار في المنطقة لسببين جوهريين: الأول طبيعتها المرحلية التي أرجئت في إطارها قضايا الحل النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبذلك أصبحت اتفاقية "أوسلو" عملية تسكين مؤقتة قابلة للانفجار في أي لحظة، وهو ما حدث بالفعل بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية عام 2000، بمشاركة عرفات وباراك وبإشراف كلينتون. أما السبب الثاني لفشل هذه العملية التسكينية المؤقتة، فهو أنها تجاهلت منهجية الحل الشامل لكافة مسارات الصراع العربي-الإسرائيلي، وبذلك تعرضت "أوسلو" لرياح الإحباط والتوتر على المسارين السوري واللبناني. هنا يمكننا أن نتصور الظروف المطلوبة لنجاح مؤتمر السلام الجديد في حل الصراع وضمان الاستقرار في المنطقة، وهي ظروف يمكن اشتقاقها من تضاريس الفشل السابق. لقد تسربت أنباء عن طبيعة المحادثات التي جرت بين الرئيس المصري ووزيرة الخارجية الأميركية وزميلها وزير الدفاع في مطلع هذا الشهر في شرم الشيخ، تفيد التسريبات بأن الرؤية المصرية قد وضعت نصب عينيها أسباب الفشل السابق، وبالتالي وقع خلاف بين الطرفين المصري والأميركي حول ثلاث نقاط: النقطة الأولى تتعلق بعدم وجود أجندة مقترحة للمؤتمر من جانب الطرف الأميركي الداعي. وهنا أصرت مصر على ضرورة صياغة أجندة ضمن الجهود التحضيرية، في حين يرى الأميركيون أنه لا ضرورة لتقييد أعمال المؤتمر بأجندة محددة. إن الموقف المصري المعبر على الأغلب عن مواقف العواصم العربية الأخرى يتوخى توفير ظرف يحول دون تحويل المؤتمر إلى مناسبة للخطب السياسية وتسجيل المواقف دون جدوى أو ثمرة كما حدث في مؤتمر مدريد. أما النقطة الخلافية الثانية فتتعلق بمسارات المؤتمر، ففي حين يرى بوش الاكتفاء بالمسار الإسرائيلي-الفلسطيني، ترى مصر ضرورة إدراج المسار السوري. إن الخلل المنهجي في الرؤية الأميركية يظهر في أسلوب المعالجة الجزئية للصراع العربي-الإسرائيلي، واستبعاد سوريا وهي أحد الأطراف الرئيسية المتداخلة سواء بحكم جوارها لإسرائيل أو بحكم انشغالها بتحرير أرضها المحتلة في الجولان. استبعاد سوريا يعني دفعها دفعاً إلى الاحتماء بإيران وتوثيق محور طهران-دمشق، وهو بالتالي استبعاد لاحتمالات نجاح التسوية على المسار الفلسطيني وتعميق لأسباب التوتر الإقليمي. لقد أعلن الرئيس السوري عدة مرات استعداده لإنهاء المفاوضات التي بدأها والده الراحل مع الجنرال رابين، بشرط أن يحصل على تنفيذ لوديعة رابين، التي هي وعد بالانسحاب الكامل من الجولان مقابل السلام والعلاقات الطبيعية. من هنا يبدو الموقف المصري في هذه النقطة أكثر وعياً بضرورات الاستقرار والسلام في المنطقة من خلال إشراك سوريا وإدماجها في عملية التسوية، وهو ما نتمنى أن تراجعه واشنطن لتتبع الرؤية المصرية. أما النقطة الخلافية الثالثة بين مبارك من ناحية وكوندوليزا وجيتس من ناحية ثانية، فتتعلق بموعد التطبيع بين إسرائيل والدول العربية خارج دول الطوق، ذلك أن رؤية بوش تدعو على الفور للتطبيع الكامل مع إسرائيل، وهو عكس ما تطالب به مصر، حيث ترغب في أن تعلن إسرائيل أولاً، قبول مبادرة السلام العربية، وبعد ذلك يأتي التطبيع كثمرة طبيعية لنجاح عملية التسوية. إن الشهرين المقبلين سيكشفان لنا ما إذا كانت الرؤية المصرية قد أثرت في الموقف الأميركي أم لا.