دأب المفكرون العرب والإعلام العربي بشكل عام على انتقاد مفهوم العولمة والانفتاح الاقتصادي، مؤكدين أن الدول الإمبريالية الرأسمالية هي المستفيد الأكبر من العولمة وأنه لا أحد يستفيد من دول العالم الثالث من هذا الانفتاح، خصوصاً الطبقة العمالية الفقيرة. هذه المقولة العربية ثبت فشلها وعدم صحتها بعد أن ازدادت الشكاوى داخل الرأي العام الأميركي والأوروبي، من تزايد اعتماد دوله على الصين الشعبية ودول العالم الثالث. ففي العام الماضي 2006 استوردت الولايات المتحدة من الصين ما قيمته 288 مليار دولار، وتشمل المواد التي يتم استيرادها من الصين كل شيء تقريباً، منها مثلاً الملابس والأجهزة الكهربائية والصناعية ولعب الأطفال والمأكولات من لحوم وأسماك ودواجن والأدوية وغيرها. ومن الأشياء الغريبة التي تستوردها أميركا من الصين قرود حية بقيمة وصلت إلى 29 مليون دولار، والشعر الاصطناعي "الباروكة" ووصلت قيمة ما تم استيراده إلى 320 مليوناً، واستوردت أميركا أكثر من 53 مليون تلفون نقال، وأكثر من 17 مليون دراجة هوائية، و385 مليون نظارة شمسية، واللائحة طويلة ومتعددة لا يتسع المجال لذكرها. وهذا الاستيراد المكثف من الصين استفادت منه المصانع والعمالة الصينية، وخلق بطالة لدى الآلاف بل الملايين من العمالة الأميركية التي ازداد تذمرها من سياسات الانفتاح الأميركي على دول العالم الثالث ومنها الصين وبقية الدول الآسيوية والأفريقية والأميركية اللاتينية. ولقد وجدت في الأسواق الأميركية ملابس مصنعة في دول عربية منها مصر والمغرب ودولة الإمارات العربية المتحدة. أما الشعب الأميركي فمنقسم على نفسه حول العولمة والانفتاح الاقتصادي، فالبعض يرى أن الولايات المتحدة هي الدولة العظمى اقتصادياً وأن الانفتاح الاقتصادي تستفيد منه أميركا مثل غيرها من الدول. أما المعارضون للعولمة فهم يرون أن نقل المصانع الأميركية إلى الخارج استفادت منه هذه الدول وتضررت منه أميركا، فنقل المصانع للخارج والاستفادة من رخص الأجور وتفادي الإجراءات الحكومية الأميركية المعقدة والخاصة بالبيئة ليس مبرراً كافياً لإغلاق المصانع في أميركا. المعارضون للانفتاح على الصين، يرون أنه إلى جانب خلقه لبطالة لا نظير لها بين العمال الأميركيين، فإن البضائع الرخيصة المستوردة أضرت أيضاً بصحة الشعب الأميركي بسبب فساد العديد من المأكولات، كما أن ألعاب الأطفال الصينية لا تلتزم بما تطلبه الحكومة الأميركية من ضمانات لصحة الأطفال وسلامتهم. قد يقول قائل من اليسار العربي أو المثقفين القوميين العرب، إن الغرب حوَّل صناعاته الثقيلة الضارة للبيئة إلى بلدان العالم الثالث بسبب رخص العمالة وإجراءات الحفاظ على البيئة في الغرب، لكن الغرب احتفظ بالصناعات الإلكترونية المعقدة لديه، هذا أمر صحيح لأن الغرب يبحث عن مصالحه، لكن الولايات المتحدة والغرب لم يمنعا أحداً من منافستهما في هذا المجال خصوصاً في دول العالم الثالث، فالولايات المتحدة تتعامل مع الصين والهند وفيتنام في مجال الصناعات الإلكترونية، والمنافسة في هذا المجال قوية مع الدول الآسيوية. ماذا عنا نحن العرب بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص؟ عموماً العرب آخر شعوب المعمورة دخولاً في عالم العولمة، والعرب عموماً أقل الشعوب استفادة من العولمة، فالاستثمارات الغربية في الدول العربية منخفضة جداً مقارنة بغيرها من مناطق العالم، ويعود السبب إلى السياسات الحمائية التي تتخذها بعض الدول العربية. ماذا عن دول الخليج والعولمة؟ بالتأكيد بعض دول الخليج، خصوصاً دولة الإمارات العربية المتحدة، استفادت أكثر من غيرها من دول الخليج بسبب سياسات الانفتاح. مشكلتنا في الخليج بشكل عام، هي أننا أصبحنا معوْلمين أكثر من اللزوم، فنحن نصدِّر سلعة واحدة هي النفط بينما نستورد كل شيء، بما في ذلك العمالة التي تعمل وتنتج بدلاً منا، حتى وصل الأمر إلى ترك المربيات يعتنين بأطفالنا. فالمواطنون في الخليج أصبحوا أناساً كسالى واتكاليين، يعتمدون على حكوماتهم في كل شيء وينتقدونها بشكل دائم.