كيلي آن مور ----------------- بعد أن غدا إغلاق معتقل جوانتانامو مسألة أكثر إلحاحاً، فإن السؤال الذي يتردد باستمرار ويُخرج كافة المناقشات التي تدور حول هذه المسألة عن سياقها هو: ماذا سنفعل بالمعتقلين عندما نغلق المعتقل؟ في معرض الإجابة على هذا السؤال اقترح البعض إنشاء محكمة جديدة للأمن الوطني، في إطار نظام قانوني خاص لاحتجاز ومحاكمة الإرهابيين المشتبه بهم. والمؤيدون لإنشاء مثل هذا النظام، يرون أن قضايا الإرهاب معقدة للغاية، وقد تفوق قدرة المحاكم الفيدرالية العادية، التي عادة ما تكون مُثقلة بكم كبير من القضايا، ومقيدة بالضمانات الإجرائية المنصوص عليها في الدستور، وهو ما يحول بينها وبين التعامل مع الأدلة المطلوبة لإدانة المتهمين دون تعريض المصادر والطرائق الاستخباراتية لخطر الانكشاف. ليس هناك شيء أبعد عن الحقيقة من ذلك. فالولايات المتحدة ليست في حاجة إلى نظام اعتقال جديد لم يخضع للتجربة بعد لاعتقال ومحاكمة الإرهابيين المشتبه بهم، لأن نظام المحاكم الفيدرالية الحالي لديه سجل موثق في التعامل مع القضايا المعقدة. وباعتباري ممثل ادعاء فيدرالي سابق تعامل مع قضايا ذات علاقة بالإرهاب، فإنني أستطيع أن أدعي أنني أمتلك خبرة مباشرة في إجراء ما يقول الداعون لإنشاء محكمة أمن وطني جديدة: إنه مستحيل. ففي عام 2005، حاكمت مواطنين يمنيين، تآمرا من أجل إرسال أموال من "بروكلين" إلى أعضاء في "القاعدة" و"حماس" لدعم أنشطتهم الإرهابية. وكان أحد هذين المتهمين الاثنين ويدعى "شيخ محمد علي حسن المؤيد"، وهو المتهم الرئيس في القضية، قد تباهى بأنه قابل أسامة بن لادن شخصياً، وأنه أرسل ملايين الدولارات من قبل دعماً لـ"القاعدة" و"حماس". وكانت الأدلة التي تم جمعها ضد "المؤيد"، وضد شريكه محمد محسن يحيى، قد اشتملت على مستندات حصلنا عليها من اليمن وكرواتيا، وحصلنا على أدلة من مصادر خاصة في بريطانيا وإسرائيل، وعن طريق عملية رصد إليكتروني لإحدى غرف الفنادق في ألمانيا حيث كان يقيم الرجلان في بدايات 2003، وخلال التحقيقات التي أجريت معهما تعاون مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف.بي.آي" بشكل وثيق مع وكالات تنفيذ القانون، والوكالات الاستخباراتية التابعة لدول أجنبية مختلفة. لكن واجب الإنصاف يدعوني للاعتراف بأن المحاكمة ذاتها كانت صعبة، وأنه اضطررنا لاستبعاد بعض الأدلة، ولنزع صفة السرية عن بعض الأدلة المصنفة "سرية" حتى يتسنى لنا استخدامها في المحكمة، كما اضطررنا كذلك إلى الحصول على موافقات من الجهات التشريعية من أجل حماية المعلومات المتعلقة بالطرائق والعمليات الخاصة بوكالات تنفيذ القانون الألمانية، قبل أن يتم السماح بسماع شهادة العملاء الألمان المهمين في محكمة أميركية. في النهاية تم السماح باستخدام معظم الأدلة التي حصلنا عليها، وعالجت المحكمة مسائل تتضمن معلومات حساسة، واستمعت إلى شهادات، كما تم سماع بعض الشهادات بواسطة هيئة محلفين كانت بحاجة إليها كي تدين الرجلين وتحكم على الشيخ مؤيد بالسجن لمدة 75 عاماً، والسيد يحيى بالسجن لمدة 45 عاماً. والرجلان نزيلان في الوقت الراهن في سجن "فلورانس" الذي تطبق فيه أقصى الإجراءات الأمنية، والذي يقع في ولاية "كولورادو"، وهو نفس السجن الذي أرسل إليه ممثلو الادعاء الفيدراليين رمزي يوسف الرجل الذي دبر عملية تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993. ووزارة العدل الأميركية لم تنجح في محاكمة الإرهابيين فقط، بل نجحت أيضاً في محاكمة أعضاء عصابة "كو كلاكس كلان" وغيرهم من أعضاء الجماعات التي تعتمد أسلوب العنف في العمل مثل جماعة "ويزرمن" Weathermen اليسارية في ستينات وسبعينات القرن الماضي، وأعضاء عصابات الجريمة الإيطالية المنظمة في الثمانينات والتسعينات، كما تم استخدام نفس النظام مراراً وتكراراً في قضايا تهريب المخدرات المعقدة، وضد عصابات تهريب البشر. إن استخدام المعلومات المصنفة من أجل تأمين الإدانات في قضايا الإرهاب، لا يجب أن يتحول إلى عقبة كؤود على النحو الذي هو عليه الآن. فالأدلة التي يتم الحصول عليها من الخارج عادة ما تكون مصنفة في البداية على أنها "سرية" أو"سرية للغاية"، ولكن يمكن بعد ذلك نزع السرية عنها تمهيداً لاستخدامها في المحاكم الفيدرالية بناء على طلب ممثل الادعاء، وذلك بعد إخضاعها للمزيد من الفحص والتدقيق الشامل. أما الأدلة التي تستدعي الحالة أن تظل سرية بسبب ضرورات الأمن القومي، فيمكن أن تتم حمايتها في المحاكم الفيدرالية من خلال استخدام قانون المعلومات المصنفة، والذي يمكن لممثلي الادعاء بموجبه التقدم للمحاكمة بطلب عدم إفشاء المصادر ونوعية الطرائق الاستخباراتية التي تم الحصول على معلومات منها أو السماح لممثلي الدفاع والمحلفين فقط بالاطلاع على الأدلة المصنفة في المحكمة، مع الحيلولة دون أن تجد هذه الأدلة طريقها في النهاية إلى نظام السجلات العمومية. إن الأشخاص الذين يرتبكون أعمالاً إرهابية يجب أن يعاملوا كمجرمين- كما هم عليه بالفعل- وليسوا كمحاربين- كما يدعون. فلو كانت قد تمت محاكمة معتقلي جوانتانامو في المحاكم الفيدرالية بدلاً من قيامنا بإطلاق صفة "المقاتلين" عليهم لكانت الغالبية العظمى منهم يقضون الآن فترة محكوميتهم في السجون باعتبارهم أشخاصاً مدانين بالإرهاب بدلاً من اعتبارهم ضحايا أو مقاتلين من أجل الحرية. إن الكثير من الناس في مختلف أنحاء العالم قد شككوا في التزام أميركا بمبدأ حكم القانون، في حين أنه لا يوجد هناك مكان في العالم يقدس هذا المبدأ مثل المحاكم الفيدرالية. إن طريق العمل الوحيد المتاح أمامنا الآن في مجال التعامل مع الإرهابيين المشتبه بهم هو إحالتهم إلى المحاكم الفيدرالية التي تعتبر حجر أساس النظام القضائي الأميركي كي نظهر للعالم أن بلادنا قادرة على حماية نفسها وعلى احترام حكم القانون في نفس الوقت. رئيس قسم الجريمة والإرهاب في مكتب المدعي العام للولايات المتحدة 2002- 2006 ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"