كانت لافتة جداً تصريحات قائد الجيش اللبناني العماد ميشال سليمان في الأوساط السياسية اللبنانية ونحن على أبواب استحقاق الانتخابات الرئاسية في لبنان. وتفاعلت لاحقاً في كل الأوساط لاسيما عندما فتح باب الحديث عن احتمال تعديل الدستور وثمة سوابق في المحاولات في هذا المجال لتأمين وصول هذه الشخصية أوتلك إلى الرئاسة أو للتمديد لهذا الرئيس أو ذاك. والشيء المهم المتعلق بموضوع "فتح الإسلام" لم يأخذ مداه ومجراه اللذين يستحقهما. بمعنى، أنه وفي معزل عن تفسيرات خلفيات التصريح- وأكرر القول إنني كنت أتمنى ألا يستبق أحد التحقيق مع عناصر "فتح الإسلام" لمعرفة كل الخلفيات وخصوصاً على مستوى قيادة الجيش التي انسجمت طيلة الفترة التي سبقت التصريح مع الوقائع والحقائق في بياناتها الرسمية التي كانت تواكب العمليات العسكرية اليومية، وهي أيضاً المسؤولة بطريقة أو بأخرى عن المحكمة العسكرية- فإن المضمون الفعلي للتصريح يؤكد أن الجيش لم يُورَّط في معركة مع هذه المنظمة، ولم يُدفع إلى المعركة دفعاً من قبل أحد إلا الذين اعتدوا عليه. وبالتالي هو قام بواجب الدفاع عن نفسه وعن أبنائه وجنوده وضباطه وعن كرامته وكرامة البلد وسيادته. وإذا كانت المنظمة مرتبطة بـ"القاعدة"، فهذا يعني عملياً أن "قاعدة" واحدة يجب أن يستند إليها الجميع في المواجهة، وليس ثمة مجال لاجتهاد أو تأويل أو تحريف للمعركة وأهدافها، لأن "القاعدة"- التنظيم- خطر على الجميع، والتحريف يشكل خطراً إضافياً. وإذا استندنا إلى تجارب غيرنا من الدول في مواجهة مثل هذه الحالة، فإن الوقائع تقول إنه حيث كان ثمة وحدة موقف ورأي، ومؤسسات وأجهزة متماسكة وقوية واستعدادات وإمكانات كبيرة وضعت كلها في المعركة، كانت المعركة صعبة ومكلفة وخطيرة ومقلقة وشهدت وَثَباتٍ ونجاحاتٍ أحياناً وخيباتٍ وانتكاساتٍ أحياناً أخرى. وحيث كان ثمة انقسام وغياب للمؤسسات الفاعلة والقوية والرؤية الواضحة في المواجهة كانت الكلفة أكبر والجراح والمخاطر أكبر بكثير. نحن في لبنان نعيش الحالتين: انقسامات كبيرة وخطيرة في صفوفنا انعكست سلباً على واقع المؤسسات، التي هي في الأساس ضعيفة، ولا نملك في الوقت ذاته الإمكانات الكافية والرؤية والاستعدادات لمواجهة مثل هذه التحديات، وهذا بحد ذاته يضاعف الكلفة. لكن في النهاية وبرغم هذه الحقائق، استطاع الجيش أن يتعامل مع هذه الحالة، رغم الخطوط الحمر والعقبات والعراقيل التي وُضعت أمامه والاتهامات والتشكيكات التي سِيقت ضده من قبل كثيرين في مرحلة معينة، وقام الجيش بواجبه. نعم هذا واجبه. هذا دوره. يستحق الشكر عليه، لكن في الأساس قام بدوره وبواجبه. المؤسسة وُجدت لتقوم بمثل هذا الدور والواجب. والمنتمون إليها من أعلى الرتب الى آخر جندي وعامل في المؤسسة هم في مواقعهم للقيام بالواجب. وبالتالي يستحقون الاحتضان والتأييد والتنويه بجهودهم وتضحياتهم في حدود هذا الدور المنوط بهم. لكن السؤال: هل انتهت هذه المعركة؟ وهل سقطت القاعدة؟ إن أي رئيس جديد للجمهورية سينتخب- هذا إذا جرت الانتخابات- وفق الآليات الدستورية المعتمدة التي لابد من احترامها، سيكون أمام مسؤولية كبيرة في هذا المجال. فإذا كان رئيس جديد، نحن أمام مرحلة جديدة ولو لفترة زمنية معينة، لأن المعركة السياسية لن تنتهي. سوف نواجه صعوبات في تشكيل الحكومة وإرساء بيانها الوزاري، بسبب رفض المعارضة الحوار السياسي الجدي حول كل القضايا للوصول إلى تفاهم يشكل قاعدة للحكومة، وبالتالي سنكون أمام مشكلة مواجهة الخيارات الكبرى بقرارات كبرى والتحديات بسياسات كفيلة بالنجاح، وهذا سيكون محفوفاً بكثير من الرهانات والمخاطر والصعوبات. في مثل هذه الحالة، "القاعدة الخطر"، سوف تحرك خلاياها النائمة -التعبير الدارج اليوم- وسوف تعيش الساحة اللبنانية ظروفاً صعبة، فكيف نواجهها ومن يواجهها؟ وإذا لم تحصل الانتخابات الرئاسية، وهذا احتمال كبير وخطر كبير تهدد به المعارضة يأتي في سياق حساباتها السياسية وموقفها من الحكومة الحالية والأكثرية النيابية التي تقف وراءها، فمعنى ذلك أن انقساماً حاداً ستعيشه البلاد خصوصاً إذا ما كرست هذه الأكثرية حقها وردت على خطر الفراغ بانتخاب رئيس وفق هذا الحق. وهذا يعني أننا سنواجه احتمالات خطيرة جداً في مواجهة "القاعدة" وأخواتها بقواعد مختلفة غير متماسكة وغير قوية. وإذا لم تلجأ الأكثرية إلى هذا الخيار، وكان الفراغ أو التمرد الجديد في قصر بعبدا من خلال ما ينظر له البعض من أن رئيس الجمهورية سيستمر في موقعه هناك كي لا يسلم البلد لحكومة "فاقدة للشرعية" وهذا أمر غير دستوري على الإطلاق، لكن المروجين له أو لخطوات مشابهة له لم يحترموا الدستور في كل ما قاموا به وبعضهم يدعو إلى خطوات أكثر خطورة تحمل خلفيات انقلابية على الدستور وعلى كل الوضع القائم في سياق حسابات سياسية داخلية إقليمية تهدف إلى تعطيل الانتخابات لتحقيق أهداف وسياسات لا علاقة لها بمصالح اللبنانيين. في مثل هذه الحالة سيكون الوضع أكثر خطورة، وأكثر قابلية لفتح الساحة أمام "القاعدة" وغيرها، وتحت عنوان "القاعدة"، ستضيع الطاسة وستكون مناسبة لكل من يريد أن يعبث بلبنان، أن يلعب بأمنه واستقراره وسلامته. ولا أعتقد أن في ذلك مصلحةً لأحد. "القاعدة" خطر على الجميع. لا ترحم أحداً ولا تحمي أحداً. حتى الذين صنعوها وحموها كما يعلم المعارضون أكثر من غيرهم وبعضهم أهداف رئيسة لها إذا ما كان ثمة انسجام لديهم وتناغم بين ما يفكرون به ويقولونه وبين ما يمارسونه فعلياً. هذا وجه من وجوه الخطر التي تنتظرنا. فكيف إذا قرأنا ظروف المنطقة وتعقيداتها وتشابكاتها وانعكاساتها علينا؟ وكيف إذا تابعنا وتيرة التهديدات المرتفعة من هنا وهناك باستخدام أسلحة جديدة ومتطورة في حروب وصراعات مقبلة على أرض لبنان؟ إن الاستمرار في اعتماد قاعدة، أو التسليم باستناد الآخرين إلى قاعدة استخدام لبنان ساحة لتصفية كل أشكال الحسابات عليها وعلى حساب سيادته واستقلاله واستقراره السياسي والمالي والاجتماعي والاقتصادي، وربما على حساب وحدته ومستقبله، لا يسمح بطبيعة الحال بمواجهة "القاعدة" الخطر أبداً، بل سيولد أخطاراً جديدة تطيح بكل تضحيات وإنجازات اللبنانيين في مواجهة إسرائيل وغيرها لأنها تكون المستفيد الأكبر مما يجري. فهل يدرك المعنيون هذا الأمر ويبتعدون عن هذه القاعدة لبناء قاعدة شراكة حقيقية بعيداً عن التشكيك والتخوين والاتهام وسوء التصرف والأداء وعن التحدي؟.