تستعد واشنطن الآن للظهور المتوقع للجنرال ديفيد بترايوس وزميله السفير الأميركي في العراق، رايان كروكر. ذلك أن عليهما أن يدليا بشهادتيهما أمام الكونجرس حول ما أُحرز من تقدم أو عدمه في العراق، منذ تاريخ بدء تطبيق استراتيجية زيادة عدد القوات التي طبقها الرئيس بوش، وهي الاستراتيجية التي ترمي إلى حفز الاستقرار الأمني والتقدم السياسي هناك. غير أن مضمون التقارير التي سيقدمها هذان المسؤولان يمكن استشفافه من خلال ما نشر في الصحف مؤخراً من ملخصات موجزة عنها، إلى جانب وثيقة "التقديرات الاستخباراتية القومية للعراق" التي نشرت خلال الأسبوع الحالي. وعلى رغم أن المؤشرات المتوفرة حالياً تقول إن كل شيء يجري على ما يُرام فيما يبدو، إلا أن لعبة خفية تجري وراء كواليس هذه الاستعدادات. وإضافة إلى أن الاستراتيجية المذكورة قد أحدثت تأثيرات مثيرة للخلاف والجدل في العراق، فإنها تسببت أيضاً في حدوث هزة سياسية أكبر هنا في أميركا. فمهما حاولت الإدارة إحداث تغيير جوهري في مرحلة ما بعد تطبيق الاستراتيجية هذه، إلا أن الواقع ظل قاتماً ومنذراً بالشؤم كما هو. وبالنتيجة فقد استمرت دوامة العنف والقتل الجماعي، مع ملاحظة ارتفاع ملحوظ في عدد القتلى من الجنود الأميركيين والعراقيين معاً. ومع أن إدارة بوش سعت للاستفادة من إحصاءات القتلى في شهر يوليو المنصرم، باعتبارها دليلاً واضحاً على تراجع عدد القتلى من الجنود الأميركيين، وبالتالي فهي دليل كذلك على نجاح الاستراتيجية الأمنية الجديدة، إلا أن الحقيقة هي أن عدد الضحايا بين هؤلاء ظل منخفضاً باستمرار، بالمقارنة إلى عدد القتلى اليوميين في صفوف المدنيين والمتقاتلين العراقيين على حد سواء. وليس ذلك فحسب، بل الحقيقة أن إحصاءات شهر يوليو الخاصة بعدد القتلى من الجنود الأميركيين تعتبر أعلى من إحصاءات الشهور السابقة. يضاف إلى ذلك أن المناطق العراقية التي شهدت نشر أعداد أكبر من الجنود الأميركيين قد عرفت تحسناً نسبياً في الناحية الأمنية، وبالتالي انحسرت فيها الهجمات وأعداد ضحايا العنف اليومي كما كان متوقعاً، إلا أن الهجمات وأعمال العنف نفسها انتقلت إلى المناطق الأخرى التي لم تشهد الارتفاع نفسه في عدد الجنود الأميركيين. وفي الوقت ذاته بقي الكثير من العراقيين في حرمانهم من خدمات الماء والكهرباء والحد الضروري من الأمن والسلامة. وإلى ذلك تضاف حقيقة أن ما يزيد على أربعة ملايين مواطن عراقي باتوا مهجَّرين أو نازحين داخل بلادهم، بينما بقيت الحياة السياسية العراقية مزعزعة أكثر من أي وقت مضى. ومع ذلك فقد تحققت بعض النتائج الإيجابية نتيجة نشر 30 ألف جندي إضافي في المناطق المستهدفة إلى جانب تبني تكتيكات جديدة في مناطق أخرى، بما فيها تعاون المسلمين السُّنة مع القوات الأميركية ضد عناصر تنظيم "القاعدة". غير أن التقدم الذي تحقق في المناطق المذكورة جاء مصحوباً بخطر تكريس المزيد من إضعاف الحكومة المركزية. وعلى أي حال فقد تمكن البيت الأبيض من استثمار هذا التقدم المحدود الذي أُحرز لصالحه. ومع أن ثلثي المواطنين الأميركيين لا يزالون على اعتقادهم بأن شن الحرب كان خطأ في المقام الأول، وأن على أميركا أن تنسحب عسكرياً، إلا أن أعداد الذين بدأوا يرون أن استراتيجية زيادة عدد القوات قد ساعدت في تحسين الأوضاع هناك، تزايدت هي الأخرى مؤخراً. وهذا ما أكدته نتائج استطلاعات الرأي التي أجريت الشهر الحالي، حيث بلغت نسبة المؤيدين لهذا الرأي الأخير 29 في المئة، مقارنة إلى 19 في المئة فحسب في نتائج استطلاعات الشهر الماضي. وعلى أي حال فإن الإخفاقات التي يتوقع للجنرال بترايوس وزميله السفير رايان كروكر التعرض لها خلال شهادتيهما المرتقبتين، يجب ألا يحمل وزرها لحكومة نوري المالكي، بقدر ما تتحمل وزرها إدارة بوش جراء عجزها عن تبني توصيات "مجموعة دراسة العراق" التي اشتملت على مبادرة دبلوماسية شاملة لحل المأزق العراقي، بما فيها عقد مؤتمر أمني إقليمي تشارك فيه الدول المجاورة للعراق، والأمم المتحدة وأميركا.