هناك تفاوُتٌ كبيرٌ بين التعاون الاقتصادي بين البلدان الصناعية المتطورة والتعاون نفسه بين البلدان النامية، ففي المجموعة الأولى يطغى التعاون الجماعي في نطاق التكتلات الاقتصادية والاتفاقيات العامة المشتركة، في حين لم يلق هذا الشكل من التعاون النجاح المنشود في البلدان النامية. خير دليل على ذلك ما يتم من تعاون وتكامل من خلال السوق الأوروبية المشتركة التي تتمتع بعملة واحدة وسياسات اقتصادية مشتركة، وتحاول حالياً التوصل إلى تحرير تجارة الطاقة في شهر سبتمبر القادم، وهو تحوّل مهم لحل العديد من الإشكالات المتعلقة بمشاكل الطاقة المتفاقمة في العالم. البلدان النامية بشكل عامٍّ- والعربية من ضمنها- تحاول منذ عقود تعزيز تعاونها الجماعي، حدث ذلك مع السوق العربية المشتركة في عام 1964 ومنطقة التجارة الحرة العربية في عام 2002، إلا أن كل ذلك بقي دون تنفيذ وحبيسَ أدْرُج المكاتب، إذ سرعان ما تم تجاوز هذه الاتفاقيات أو إلغاؤها نهائياً. مجلس التعاون الخليجي حقق بعض التقدم في مجال التعاون الجماعي، إلا أن ما تبقى من بنود في الاتفاقية الاقتصادية الخليجية المشتركة يعاني من التأجيل المتكرر، مثلما حدث للجدار الجمركي من قبل والسوق المشتركة وربما يحدث للعملة الموحدة. يبدو أن شكل التعاون الاقتصادي الجماعي لايناسب البلدان النامية بشكل عام لأسباب عديدة، يأتي في مقدمتها عدم توافق الآراء والتوجهات الاقتصادية، بالإضافة إلى بعض المحاذير السياسية، ففي العالم النامي عادة ما يتداخل ما هو اقتصادي مع ما هو سياسي، في الوقت الذي تحاول البلدان الصناعية التقليل قدر الإمكان من هذا التداخل الذي لا يمكن فصله. في الوقت الذي حقق فيه التعاون الثنائي في البلدان النامية تقدماً مهماً في العلاقات الاقتصادية بين هذه البلدان، والأمثلة هنا عديدة، فالهند أبرمت اتفاقياتٍ كثيرةً، كان آخرها المفاوضات مع سلطنة عُمان لمبادلة الغاز الطبيعي بالفحم، والذي تحتاجه عُمان لصناعة الإسمنت، في الوقت الذي تحتاج فيه الهند للغاز للمساهمة في حل الصعوبات المتعلقة بمصادر الطاقة النظيفة. مثال آخر توصلت من خلاله مصر مع الأردن لربط شبكة الطاقة الكهربائية بين البلدين، حيث انضمت سوريا ولبنان لهذا المشروع الحيوي في فترة لاحقة، وذلك بعد تعثر المشاريع العربية المشتركة في مجال الطاقة الكهربائية. على المستوى الخليجي يمثل التعاون الاقتصادي بين دولتي الإمارات وقطر مثالاً يُحتذى به، فهناك توافق حول العديد من القضايا، مما أفلح في بروز مشاريع استراتيجية، كخط أنابيب الغاز "دولفين" وازدياد الاستثمارات المشتركة، بما في ذلك إدراج الشركات المساهمة في الأسواق المالية في البلدين، كما أن الاتفاقياتِ الأخيرةَ بين دولة الإمارات وبلدان المغرب العربي شكْلٌ آخر لهذا التعاون المثمر. إذا كان هذا هو الوضع السائد، فلماذا لا تغير البلدان النامية استرتيجياتها الاقتصادية التعاونية، بحيث تبدأ ثنائية ناجحة لتنتهي جماعية قادرة على الاستمرار والتقدم، يشمل هذا التوجه العملة الخليجية الموحدة، والتي يمكن أن تبدأ ببعض دول المجلس، ربما اثنتين أو ثلاث لتشمل بقية بلدان المجلس في فترة لاحقة. وإذا ما أخذنا ذلك من ناحية التكلفة، فإنه سيكون أجدى اقتصادياً، فالمباحثات الجماعية تأخذ وقتاً طويلاً وبتكاليف باهظة دون الاستفادة من نتائجها النهائية، في الوقت الذي تعتبر فيه تكاليف المباحثات الثنائية قليلة وتتمخض عنها نتائج إيجابية تساهم في التطور الاقتصادي للطرفين المعنيين. لا يوجد ما يعيب هذا التوجه إذا كانت مردوداته الاقتصادية أكثر جدوى من التعاون الجماعي المكلف وشبه الجامد، والذي يتطلب التزامات ربما تكون معظم البلدان النامية غير قادرة على الوفاء بها أو التضحية ببعض الامتيازات التي تتمتع بها لصالح العمل الجماعي المشترك، إذ إنه في هذه الحالة يتم التنازل عن بعض الامتيازات لمساعدة البلدان المتضررة أو الأقل نمواً من قبل المجموعة ككل مثلما حدث في الاتحاد الأوروبي، والذي أوصل مستويات المعيشة بين بلدانه إلى مستويات متقاربة، مما انعكس إيجابياً على مواطني السوق الأوروبية المشتركة. البلدان النامية بحاجة للكثير من الوقت والنمو الاقتصادي لتتقارب اقتصادياً، وهذه مسألة طبيعية، إذ لا يمكن تجاوز الظروف الموضوعية القائمة، وحتى يأتي ذلك الوقت، فإن التعاون الثنائي يعتبر الأجدى والأكثر إيجابية للبلدان النامية.