خلال شهر أغسطس المنصرم، شددت إدارة بوش الضغوط التي تمارسها على طهران أكثر من ذي قبل، وذلك باعتزامها إضافة سلاح الحرس الثوري الإيراني رسمياً -وهو من أرفع وأميز الوحدات العسكرية الإيرانية- إلى قائمة المنظمات الإرهابية. وتأتي هذه الخطوة في آخر الجهود المستمرة التي ظلت تبذلها الإدارة على المستويين الفيدرالي والدولي، في مسعى منها لإرغام حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد، على إعادة النظر في برامج أسلحتها النووية، والكف عن دعم ورعاية الإرهاب على امتداد منطقة الشرق الأوسط كلها. وهناك خمسة تشريعات جديدة أمام الكونجرس الآن يتوقع لها أن تشجع على فرض مزيد من القيود على طهران إلى جانب سد الثغرات الحالية في "قانون عقوبات إيران"، وغيرها من القضايا ذات الصلة. أما على المستوى الولائي فهناك تشريعات جديدة قيد النظر في 13 ولاية من الولايات الأميركية، تهدف جميعها إلى حرمان الصناديق المعاشية وكذلك الشركات وبيوت الاستثمار والأموال الأميركية من التبادل الاستثماري مع طهران، مع العلم أن مثل هذه الإجراءات قد تحولت إلى قوانين سارية سلفاً في كل من ولايتي فلوريدا ولويزيانا. وفوق ذلك كله، يتوقع أن ينظر مجلس الأمن الدولي في إصدار قرار دولي ثالث خلال شهر سبتمبر الجاري، في استجابة منه لعجز إيران عن تعليق برامجها الخاصة بتخصيب اليورانيوم. وبشكل عام فقد تزايد الاعتراف بضرورة وضع حد للأنشطة النووية الإيرانية، بينما اتسع نطاق فرض القيود الطوعية عليها أكثر من أي وقت مضى. غير أن تنسيق الجهود هذه -وهي جهود ما كان ممكناً لها أن تنسق وتتزامن إلا بفضل تنامي الشعور بجدية الخطر الذي تمثله البرامج النووية الإيرانية- ليس مستبعداً أن ينقطع فجأة، فتصل إلى نهايتها بأسرع مما نتوقع، فيما لو مضى الكونجرس في وجهته الحالية بشأن التصدي لإيران. والمتوقع من غالبية القوانين والتشريعات التي لا تزال قيد النظر والإجازة في كل من مجلسي الشيوخ والنواب، أن تشدد نصوص "قانون عقوبات إيران" الذي كان يعرف سابقاً باسم "قانون عقوبات إيران وليبيا"، إلى جانب تجريد الرئيس من سلطاته الخاصة برفع القيود عن عدد من الشركات، بينها عدة شركات أوروبية. وحتى هذه اللحظة ينص القانون المذكور على تخويل الرئيس باستثناء الشركات الأميركية التي تستثمر ما يزيد على 20 مليون دولار في قطاع الطاقة الإيراني. كما تخوله نصوص القانون الحالي الاختيار بين عدة عقوبات، من أخفها إلى أشدها وأقساها عند التطبيق الفعلي. وما إن أصبحت تشريعات عقوبات إيران وليبيا قانوناً رسمياً في ظل إدارة كلينتون عام 1996، حتى بادرت الإدارة إلى الجهر صراحة لجميع الحكومات الأوروبية بأنها لا تنوي تطبيق نصوص ذلك القانون. أما من ناحيتهم، فقد أصر القادة الأوروبيون علناً على أن مواجهة طهران تعد استراتيجية ناجعة في تعديل سلوكها، بينما واصلوا سراً الامتناع عن معاقبة شركاء إيران الاستثماريين. والذي حدث في أميركا هو أن إدارة بيل كلينتون ومن بعدها إدارة جورج بوش الأب، غضتا الطرف عن عشرات مليارات الدولارات التي كانت تجد طريقها من جانبي المحيط الأطلسي إلى قطاع الطاقة الإيراني. وفي الوقت نفسه كانت الاستثمارات الأوروبية في إيران قد بلغت مدى غير مسبوق في ارتفاع قيمتها، دون ممارسة أي ضغوط تذكر من جانب لندن أو برلين أو باريس على طهران بسبب برامجها النووية أو دعمها للإرهاب، وغيرها من القضايا المتعلقة بالعقوبات المفروضة عليها الآن. وبما أن نسبة 85% من العملات الصعبة التي تحصل عليها طهران، كانت من عائداتها النفطية، فإنه يسهل عليها توظيف جزء من تلك العائدات في برامج أسلحتها النووية وتطوير الصواريخ ودعم الأنشطة الإرهابية. ومن ناحيته كان الكونجرس قد تغاضى بشكل أو آخر عن تجاهل الجهاز التنفيذي الحكومي لتشريعاته تلك. أما اليوم فقد اختلف الموقف وأصبح الجهاز التنفيذي أكثر مبادرة في فرض مزيد من العقوبات على طهران. وفي الوقت نفسه زاد شعور الحكومات الأوروبية بدورها ومسؤوليتها في التصدي للخطر النووي الإيراني. فمنذ وقت مبكر من العام الماضي، أعلنت كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا -بين دول أوروبية أخرى- عن خفضها لائتمانات صادراتها إلى إيران. بل طال ذلك الاتجاه حتى اليابان التي كانت تعد شريكاً أساسياً لطهران. ورغم أن طوكيو لم تبلغ حد سياسات الدول الأوروبية بعد، فإنها بدأت بصب ماء بارد على علاقاتها التي اتسمت بالحرارة يوماً مع إيران. على أن المحك الرئيسي في تصعيد الضغوط هذه على إيران، هو تسليط الجهود على دور كل من روسيا والصين، اللتين اعتادتا التقدم والتمدد تجارياً حيثما انسحب الغرب وقلص أنشطته. والمعروف عن الصين وروسيا أنهما لا تكتفيان بما تقدمانه من مساعدات وتسهيلات لقطاع الطاقة الإيراني فحسب، وإنما تفعلان الشيء نفسه إزاء برامجها النووية والصاروخية أيضاً. ومن هنا يتعين على الكونجرس أن يولي اهتماماً أكبر لإصدار تشريعات ضد مبيعات روسيا لإيران من المواد والمعدات النووية، إلى جانب الاهتمام بتنامي استثمارات الصين في قطاع النفط الإيراني. كما ينبغي على الكونجرس أيضاً سد الثغرات التشريعية التي لا تزال تمكن بعض الشركات من مزاولة النشاط الاستثماري التجاري مع طهران. وإنها لسخرية مريرة، فيما لو عمل الكونجرس على تعميق الصدع الأطلسي في هذا الوقت بالذات، مع العلم أن عنصراً رئيسياً من عناصر الاستراتيجية الخارجية الإيرانية لعدة سنوات، هو إحداث هذا الصدع بين أميركا وأوروبا، بحيث لا يكون لواشنطن سوى خيار العمل الأحادي. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دانيل بليتكا نائب رئيس دراسات السياسات الخارجية والدفاعية بمعهد "أميركان إنتربرايز" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"