في خطوة كبيرة تعكس بعمق قناعة رسمية راسخة بأن التعليم هو الرهان الأساسي من أجل استمرار خطط التنمية، فتحت "كلية الإمارات للتطوير التربوي"، التي يرعاها "مجلس أبوظبي للتعليم"، أبوابها رسمياً، وباشرت عامها الدراسي الأول هذا الأسبوع. وتهدف هذه الكلية، التي تستوعب نحو 4000 طالب وطالبة، إلى سدّ ثغرة كبيرة لازمت مسيرة التعليم العام، طوال الحقب السابقة، وذلك من خلال إعداد الكوادر البشرية والإدارية والتدريسية اللازمة لمواكبة المعطيات الجديدة التي فرضها واقع العصر وعلومه الحديثة، وضرورة امتلاك القدرة على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال المتقدمة. إن الأزمة الشاملة التي يعانيها التعليم حالياً تأتي نتيجة معطيات عديدة، في مقدّمتها ضعف الاهتمام بمهنة التعليم ودور المعلّم، في ظل عدم وجود نظم تعليمية وتدريبية ذات كفاءة عالية تعمل على رفع نوعية ومحتوى التعليم وتحديثه وطرق التدريس وفاعليتها، الأمر الذي نتجت عنه مشكلة "جودة"، ومخرجات تعليمية لا تواكب متطلبات سوق العمل سريعة التغيـّر، ولا إيقاع التطورات العالمية المتسارعة في مختلف أنماط الحياة ومجالاتها. ونظراً لما يشكّله التعليم من أرضية أساسية ومهمة لدعم مقومات التنمية وتسريع حركتها، حيث أصبحت مهارات البشر والقوة المعرفية تمثل رهان القوة الصاعدة في عالم اليوم الذي يتوغل بقوة في دروب المعرفة، فإن البداية لإصلاحه لا تكون إلا باستهداف الإنسان وتطوير قدراته الذاتية. فمن دون الإعداد الجيد للمعلم، الذي تقع على عاتقه مسؤولية تربية الأجيال، فلن يكون هناك الطالب المتميز الذي تراهن عليه الدولة في دفع مسيرة التنمية خلال المرحلة المقبلة. فالمعلم يعدّ محور العملية التعليمية، فبوجود المعلم الجيد توجد المُخرجات الجيدة حتى مع وجود منهج دون المستوى، إذ إن المعلم المؤهّل يستطيع أن يغطي القصور في المنهج. وباعتبارها الأولى من نوعها بالدولة، فإن الآمال معقودة على "كلية الإمارات للتطوير التربوي" بأن تكون قاطرة قوية تقود المعلمين والمعلمات إلى التميّز في رحاب العلم والمعرفة، وتفتح أمامهم آفاقاً جديدة للتطوير المهني، وأن تقود مسيرة التميّز الأكاديمي، وذلك من خلال طرح برامج عالية الجودة لإعداد المدرسين ومديري المدارس، تكسبهم مهارات وأساليب تدريس متطورة وحديثة، وتعزّز من قدرتهم في التفاعل مع الطالب وإرشاده إلى فنون الإبحار في عالم المعرفة بعيداً عن أساليب الحفظ والتلقين. كما ينتظر أن تُحْدِثَ هذه الكلية، التي تمنح منتسبيها الشهادات العلمية بمختلف مستوياتها الجامعية والعليا، نقلة نوعية في النظام التربوي والتعليمي بشكل عام، وأن توجد نوعاً من الرغبة القوية في الانتساب إلى مهنة التعليم والتدريس والارتقاء بها بصورة مستمرة، لإعداد جيل قوي من المعلمين والمعلمات يشكّل الأساس في الارتقاء بالعملية التعليمية، التي لا تزال تنتظر من "مجلس أبوظبي للتعليم" مزيداً من المبادرات التربوية المتميزة، والتي تصبّ جميعها في سبيل النهوض بالطالب والمعلم والمجتمع، بحيث يجد كل عنصر من عناصر العملية التعليمية الرعاية اللازمة له في منظومة التطوير التي يقودها المجلس حالياً. ولاشك في أن إعداد المعلم مهنياً، من خلال هذه الكلية، التي تحرص على تحقيق جودة عالية في الأداء، سيشكل قاعدة صلبة لعملية تطوير التعليم بمدارس الدولة، وللوصول به إلى أرقى المستويات العالمية، إلا أن الاهتمام بالمعلم يجب أن يكون أشمل من ذلك. فالاهتمام بالمعلم أدبياً ومادياً، لا يقلّ أهمية عن الاهتمام بالجانب المهني، بما يعينه على الاستقرار الاجتماعي والمعيشي، ويتيح له التفرغ الكامل لرسالته التعليمية والتربوية. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتجية