لا شك في أن التجربة السلبية التي عاشها المواطنون العاديون في مصر خلال الأسبوعين الماضيين وحتى قيام الرئيس مبارك بزيارتين ميدانيتين، الأولى إلى القرية الذكية والثانية إلى المنطقة الصناعية في برج العرب، تمثل نموذجاً لخطورة الشائعات على أمن الأوطان. فلقد سرت شائعة أُطلقت على شبكة الإنترنت وعلى شبكات الرسائل في التليفونات المحمولة، تفيد أن الرئيس مبارك في حالة صحية سيئة. راحت الشائعة تنتشر بين المواطنين لدرجة أن معظم الصحفيين والكتاب فوجئوا بسيل من أسئلة المواطنين حول حقيقة الوضع الصحي للرئيس. تلقيت بدوري، عدداً من استفسارات من يعرفني من المواطنين المصريين الذين يتوقعون أن يكون لدى الكُتاب معلومات يقينية تثبت الشائعة أو تنفيها، كانت المعلومات المتوافرة لديّ أن الرئيس في خير حال، وأنه يمضي إجازته الصيفية في مقره الرسمي في مدينة برج العرب، ورغم أنني كنت أجيب السائلين بما أعرف فإن معظمهم لم يكن يصدق إجابتي لشدة القلق، فكنت أعود إلى تأكيد معلوماتي الناتجة عن وجودي على مسافة قريبة من مقر الرئاسة الصيفي في قرية سياحية مجاورة. في غضون أيام قليلة انتقلت الشائعة إلى خبر يحتل صدر الصحف اليومية المستقلة مشفوع بالتساؤلات الصحفية حول حقيقة الأمر مما أدى إلى انتشارها في أوساط أوسع من المواطنين. لقد أدلى الرئيس بعد قيامه بالزيارتين الميدانيتين وقد أذيعتا على شاشة التلفزيون بشكل مباشر، بحديث إلى صحيفة "الأهرام" الرسمية أكد فيه أنه يعرف مصدر الشائعة وأن هذا الأمر لا يهمه. إن التطورات التالية قد أثبتت أهمية التصدي المبكر والفعال لهذا النوع من الشائعات وقتلها في مهدها، فلقد أفردت القنوات التلفزيونية المستقلة في مصر مساحات لمناقشة هذا الأمر، واستضافت متحدثين حكوميين ومستقلين ومعارضين. وفي هذه القنوات قال رئيس مجلس إدارة إحدى الصحف الحكومية إن أقاربه في الصعيد اتصلوا به لمعرفة حقيقة الشائعات وعندما نفاها لهم قالوا إنهم كانوا على وشك السفر للقاهرة لسحب أموالهم في البورصة. وهنا بدأ يتبين الأثر الخطير لمثل هذه الشائعات على مشاعر المواطنين الذين يطمئنون إلى سلامة أموالهم وممتلكاتهم ومصالحهم في وجود رئيس قوي يمثل صمام الأمان في الوطن ويشعرون بالمخاوف والقلق في حالة تعرض الرئيس لأي مكروه. في نفس البرامج التلفزيونية طالب المتحدثون المستقلون والمعارضون بقوة بضرورة اعتماد أسلوب سياسي وإعلامي مباشر وصريح من أجل التصدي لمثل هذه الشائعات كما يحدث في الدول المتقدمة حيث يتم الإعلان عن أي تحركات طبية للرؤساء، وهو ما سبق وحدث في مصر خلال رحلة الرئيس مبارك العلاجية إلى ألمانيا منذ سنوات قليلة. في نفس الوقت تطرقت الحوارات التلفزيونية إلى ضرورة اكتشاف أو الكشف عن مصدر مثل هذه الشائعات وتعريته أمام المواطنين حتى يتأكد لهم أن الهدف من ترويجها، هو إثارة مشاعر البلبلة والقلق والتأثير على الأمن النفسي والاقتصادي. فقد سارع مصدر رسمي لم يذكر اسمه في اليوم التالي لتلك الحوارات التلفزيونية بالتصريح لصحيفة "المصري اليوم" المستقلة بأن "الأخوان وحماس" وراء شائعات مرض الرئيس، مضيفاً أن هناك تنسيقاً بين الحركتين وأن تحقيقات رسمية مع بعض قيادات "الأخوان" كشفت عن رغبتهم في إثارة البلبلة. أخطر ما ورد على لسان هذا المصدر الرسمي قوله إن هناك وسائل إعلام عربية ساعدت على تقوية هذه الشائعات لدرجة الادعاء بأن الزيارات التي أجراها الرئيس إلى القرية الذكية وبرج العرب مجرد تسجيلات لزيارات سابقة. لقد أثبتت هذه التصريحات في مجملها أن حالة الصدام بين النظام السياسي وجماعة "الأخوان" يمكن أن تؤثر على مشاعر الناس واطمئنانهم نتيجة لاستخدام وسائل سياسية ونفسية يرد بها "الأخوان" على المحاكمات التي تجرى لبعض قياداتهم. وهو ما يعني أن الشائعة سلاح لا يجب الاستهانة به في عصر الاتصالات العاجلة حفاظاً على أمن الأوطان نفسياً واقتصادياً، وهو ما يتطلب سرعة ووضوحاً في المعالجة.