كما كان متوقعاً على نطاق واسع، صادق مجلس النواب الروسي (الدوما) على قرار الرئيس فلاديمير بوتين بتعيين فيكتور زوبكوف رئيساً للوزراء. وقد وافق المجلس بأغلبية ساحقة على خلافة زوبكوف لرئيس الوزراء المقال ميخائيل فرادكوف، في تغيير حكومي يثير كثيراً من التكهنات حول مستقبل الحياة السياسية عامة في روسيا، وفيما يتعلق بالمرشحين المحتملين لانتخابات الرئاسة القادمة، على وجه الخصوص... فهل زوبكوف هو أحد هؤلاء؟ وما هي أهم أوراق اعتماده لخوض السباق نحو الكريملين؟ وكيف ينظر إلى تعيينه رئيساً للحكومة في اللحظة الراهنة من تاريخ روسيا المعاصرة؟ في كلمة ألقاها زوبكوف أمام "الدوما" قبيل جلسة التصويت على قرار تعيينه يوم الجمعة الماضي، تعهد رئيس الوزراء الجديد بالمضي قدماً في السياسات التي أرساها بوتين، وحدد أولويات حكومته بزيادة الإنفاق العسكري، وتعزيز قدرات روسيا الدفاعية، وتقوية القدرة التنافسية للاقتصاد الروسي وتطبيق برنامج شامل لمكافحة الفساد... وهي عموماً سياسة بوتين طوال سنواته السابقة في الحكم، حيث ركز اهتمامه على معالجة المشكلات الاقتصادية لروسيا وانتشالها من أوضاع التردي والفاقة والارتهان للمعونات الغربية، إلى وضع أخذ فيه اقتصادها يتعافى وينهض مجدداً، بل يتأهب لمرحلة المنافسة؛ فارتفعت معدلات نموه، وانتعش سعر العملة الوطنية (الروبل)، وتحسن الميزان التجاري الروسي، مقابل تراجع في مؤشرات التضخم والبطالة والفقر في أوساط المواطنين الروس. ومما قاله أيضاً زوبكوف للنواب إن "هدفنا هو إعادة تنشيط مجمع الصناعات العسكرية"، في أوضح إشارة لتمسكه بسياسة بوتين التي زادت في عهده ميزانية الدفاع العسكرية بنسبة 30% سنوياً، وحيث بدأت القوات المسلحة الروسية اختبار أسلحة جديدة، ضمنها غواصات وصواريخ بعيدة المدى وقنابل تقليدية ونووية عملاقة. وهكذا فإحدى أوراق زوبكوف هي التزامه الحرفي بـ"الاستراتيجية وبرامج الأعمال التي وردت في كلمات الرئيس إلى الأمة في السنوات القليلة الماضية"! أما الورقة الأخرى فهي كونه أحد القادمين مع بوتين من مدينته سانت بطرسبيرغ، فمعظم المقربين والنافذين إلى دائرة الكريلمين ورؤساء الحكومات في عهد بوتين، يتحدرون من تلك المدينة. صحيح أن زوبكوف لا يتحدر منها مباشرة، لكنه أمضى فيها معظم سني حياته المهنية. فهو ينتمي إلى مدينة "آربات" في الاورال الأوسط حيث ولد عام 1941، لكن ما أنهى دراسته الثانوية حتى التحق بالمعهد الزراعي في لينينغراد (سانت بطرسبيرغ) عام 1965. وهناك أدى الخدمة العسكرية، وعمل كموظف ثم كمدير عام في تعاونية "سوفخوزس" الزراعية الحكومية بين عامي 1967 و1985. وأصبح في السنوات الخمس الأخيرة من عمر الاتحاد السوفييتي، السكرتير الأول للجنة الحزب الشيوعي في مدينة "بريوزرسك" بولاية "ليننغراد"، ومسؤولاً عن شعبة الزراعة والصناعات الغذائية في الحزب على مستوى الولاية. وربما كانت الفترة بين عامي 1991 و1993 هي الأهم في حياة زوبكوف، حين عمل مساعداً لبوتين في رئاسة لجنة العلاقات الخارجية ببلدية سانت بطرسبيرغ. وحين تم استدعاء بوتين إلى موسكو عام 1993، لم يلبث زوبكوف أيضاً أن دعي اليها ليتولى إدارة الضرائب الفيدرالية، وفي الوقت نفسه كان رئيساً لمفتشية الضرائب في سانت بطرسبيرغ، ثم اختاره بوتين وزيراً للضرائب والتحصيل في حكومته عام 1999، ليعينه أيضاً في عام 2001 نائباً لوزير المالية، قبل أن يعينه في مارس 2004 رئيساً للوكالة الفيدرالية للمتابعة المالية ومكافحة تبييض الأموال. وعلاوة على ذلك، يرتبط زوبكوف بعلاقة قوية مع رئيس "الدوما" "بوريس غليزلوف"، إذ كان قد أدار حملته الانتخابية لهذا الأخير عام 1999، وله أيضاً علاقة بوزير الدفاع النافذ "آناتولي سرديوكوف"، والذي هو صهره. كما يعرف بقربه من رجل الكريملين القوي "إيغور ستشين"... علاقات تساندت معاً لتشكل الدعامة الرافعة وراء صعود زوبكوف المفاجئ، والذي جاء تعيينه الأربعاء الماضي خلافاً لكل التوقعات. فاسمه لم يكن إطلاقاً ضمن الأسماء المتداولة في بورصة الترشيحات الروسية؛ إذ رغم علاقاته داخل الحلقة الرئاسية، وتاريخه المهني والسياسي، فهو ليس معروفاً على نطاق واسع للجمهور الروسي. لكن ثمة مؤشرات ذات دلالة في هذا الخصوص؛ منها أن الوصول إلى الكريملين يمر غالباً عبر رئاسة الحكومة، فمن ذلك الموقع القوي مر بوتين نفسه إلى خلافة بوريس يلتسين في سدة الرئاسة. ومنها ثانياً أن التغيير الحالي يأتي قبل ثلاثة أشهر فقط على الانتخابات النيابية في ديسمبر المقبل، وأقل من ستة أشهر على الانتخابات الرئاسية في مارس 2008. وقد نفهم تعيين زوبكوف على ضوء صرامة الكريملين إزاء تمويل الآلة الانتخابية، والذي تبدى جلياً بعد الثورات الملونة في جورجيا (2003) وأوكرانيا (2004)، حيث وضع بوتين قانوناً يحظر على أحزاب المعارضة تلقي أموال من الخارج. ومنها ثالثاً ما يقال من أن بوتين اختار زوبكوف تحديداً كجزء من خطة بارعة لإبقاء سيطرته على الحكومة بعد تنحيه عن السلطة في العام المقبل. لكن أهم من ذلك أن بوتين ذكر اسم زوبكوف ضمن خمس شخصيات يمكن أن تحل محله، قائلاً إن رئيس الوزراء قد يكون من بين المتنافسين على الرئاسة "إذا كان أداؤه جيداً في منصبه الجديد". ومن اللافت أن زوبكوف حين سئل عما إذا كان سيصبح رئيساً، رد بعبارة مشابهة لكلمات بوتين، وقال "إذا حققت شيئاً في منصبي هذا، فإني لا أستبعد هذا السيناريو". وفيما انتهت الآن حظوظ فودكوف بعد إقالته، وتراجع مؤشر نائب رئيس الوزراء سيرجي إيفانوف الذي رشحته في السابق توقعات كثيرة لخلافة بوتين، مثله مثل دميتري ميدفديف الذي كان هو أيضاً نائباً لرئيس الوزراء... فإنه أيضاً لا أحد من كبار الساسة الروس قد أعلن ترشحه إلى الآن، مما يزيد فرص زوبكوف في الحصول على دعم بوتين، وهو بالقطع أقوى ورقة انتخابية في روسيا الراهنة! محمد ولد المنى