لقد تبدد حلم انتشار خدمات شبكة الإنترنت شبه المجانية في غالبية الضواحي الأميركية، وبدت استحالة تحقق ذلك الحلم واضحة خلال موسم الصيف الحالي، ذلك أن الخطط الرامية لنشر خدمات Wi-fi الالكترونية وجعلها متاحة لمستخدمي الشبكة بتكلفة تعادل تكلفة إمدادات مياه الشرب، قد انهارت جميعها، سواء كان ذلك في سان فرانسيسكو أم في هيوستن أم شيكاغو وصولاً إلى سان لويس. وعلى إثر انهيار هذه الخطط الخاصة بالمدن الكبيرة المذكورة، فقد سادت أجواء التشاؤم بين المحللين، فيما يتصل بتوسيع دائرة هذه الخدمات إلى الضواحي والمدن الصغيرة. غير أن ما حدث في المدن الكبيرة المذكورة لا يعني صلاحية تعميم التجربة على كافة الولايات والمدن الأميركية. فالشاهد أن المئات من المجموعات السكانية الصغيرة قد تمتعت بخدمات شبكة Wi-fi التي مكنتها من الاستفادة من إمكانياتها الالكترونية المتطورة. وكثيراً ما راجت قصص النجاح هذه في مقاطعات ومدن قلما سمع عنها الجمهور: "أوينسبورو" في ولاية كنتاكي، و"ريو رانشو" في ولاية نيو مكسيكو، وضاحية "كوتزتاون" في ولاية بنسلفانيا. والمعروف عن الضواحي أن حدودها ضيقة ولا تمتد بعيداً إلى الضواحي والمقاطعات الأخرى المجاورة، كما تتسم بمحدودية كثافتها السكانية، بينما تبدو شوارعها الرئيسية عادية ومتواضعة في الغالب الأعم. ومهما يكن، فإن ما نجحت هذه الضواحي الصغيرة المغمورة من تحقيقه في مجال استخدام خدمات الشبكة الإلكترونية المتطورة، هو بالضبط ما أخفق فيه عدد من المدن الكبرى في أميركا. وفي تفسير ما حدث تقول "إيزمي فوز"، وهي مؤسِسة الموقع الالكتروني الاستشاري الإخباري muniwireless.com: إن غالبية المدن الكبيرة والضواحي التي حققت نجاحاً في استخدام الخدمة هذه، هي تلك التي لم تحلم يوماً بأن تمتد إليها يد المساعدة من أي من كبرى شركات تكنولوجيا الاتصالات المعنية بتوفير خدمات التوصيلات الأرضية الثابتة. ومضت قائلة إن أسلوب "افعل بنفسك" الذي تتبعه منظمتها، هو الذي تمكن من تحقيق الكثير من قصص النجاح الباهر هذه. وفي الحقيقة، كان صيف هذا العام قاسياً على معرض خدمات Wi-fi الذي نظمته شركة "إيرثلنك" المحلية العملاقة المتخصصة في الخدمات اللاسلكية. وخلال المدة نفسها، تخلت الشركة عن عرض سابق كانت قد تقدمت به لبناء شبكة سان فرانسيسكو اللاسلكية، إلى جانب تكبدها لخسارة 5 ملايين دولار دفعتها كغرامة بسبب عدم وفائها بموعد تعاقدي مع هيوستن يتعلق بإكمال نشر شبكتها الالكترونية. وبما أن هذه خسائر كبيرة للغاية، فقد أعلنت الشركة عن عزمها فصل 900 موظف من موظفيها، أي ما يعادل نصف العاملين بها، بمن فيهم رئيس قسم خدمات Wi-fi المحلي. أما في سان لويس، فقد تعثرت خطة أخرى للشركة بقيمة 12 مليون دولار في موسم الصيف الحالي، بسبب عجز شركة AT&T وسلطات بلدية المدينة عن حل المشكلة الفنية المتعلقة بتوصيلات Wi-fi. فقد كانت الفكرة أن توصل أجهزة Wi-fi بأعمدة لمبات إضاءة الشوارع، على أن يستفاد من المفاتيح التي تضيء تلك اللمبات في تشغيل الخدمة الإلكترونية نفسها. ولكن المشكلة التي لم ينتبه المصممون إليها إلا في نهاية الأمر، هي أن لمبات الشوارع تطفأ نهاراً، مما يعني فشل الخطة برمتها. وهذا هو ما حدث بالفعل، مما نجم عنه تعليق تنفيذ المشروع إلى أجل غير مسمى. وعلى إثر ملاحظة مظاهر الفشل المتكرر هذه التي أصابت خدمات Wi-fi فقد تراجع المسؤولون في شيكاغو عن المضي قدماً في تنفيذ بناء شبكة لخدمات الاتصال اللاسكلي بشبكة الإنترنت في المدينة، خاصة بعد فشلهم في التوصل مع اتفاق مقبول مع أي من الشركات الكبرى المتنافسة والمختصة بتوفيرها. وبسبب هذه الإخفاقات والتراجعات التي شهدتها الخدمة، فقد تحولت توقعات المحللين والخبراء في المجال، من تعليقهم للكثير من الآمال عليها، إلى متشائمين نوعاً ما، على حد قول "جوان هوفيز" رئيسة شركة كولومبيا للاتصالات، وهي شركة حكومية للاستشارات في كولومبيا بولاية ميريلاند. ومن رأيها أن ما راج في بادئ الأمر عن اتساع هذه الخدمة وشبه مجانيتها لكافة المستخدمين، كان مضللاً ومدمراً إلى حد كبير. غير أن الأكثر دماراً من كل ما حدث، أن يستسلم الناس لمشاعر اليأس وأن يسود الاعتقاد بينهم باستحالة بناء هذه الشبكات أصلاً. وعلى نقيض ما حدث في مقاطعات ومدن وضواح أخرى، فلننظر إلى ضاحية "سان كلاود" القريبة هنا في ولاية فلوريدا. فهناك لا يتجاوز عدد السكان حوالي 28 ألف نسمة، إلا أنهم تمكنوا من بناء شبكة Wi-fi تغطي ضاحيتهم كلها وبتكلفة جد معقولة، لم تضف أعباءً تذكر على السكان. وعلى امتداد ما يزيد على العام الآن، ظلت هذه الضاحية الوحيدة في البلاد كلها، القادرة على توفير هذه الخدمة بنسبة 100 في المئة، وفقاً لدراسة استطلاع للرأي أعدتها شركة "نوفوروم" المتخصصة في اختبار أداء التوصيل الشبكي اللاسلكي. وفي الوقت الحالي على الأقل، فقد تحولت "سان كلاود" إلى هدف للمشروعات والخطط الرامية إلى بناء شبكات التوصيل اللاسلكي هذه، وليست قاعدة لها. فمن بين 415 مدينة ومقاطعة أميركية تستخدم نظام التوصيل الشبكي اللاسلكي هذا، فإن عدداً قليلاً منها للغاية تتاح لسكانها ومستخدميها فرصة الحصول على الخدمة بتكلفة معقولة. وفيما يبدو، فإن الوقت لا يزال مبكراً لتحقيق الحلم الذي راود المخططين والخبراء في مجال الاتصالات الشبكية اللاسلكية. كريس جيلورد ـــــــــــــــــــ كاتبة أميركية متخصصة في الشؤون العلمية ــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"