بدد محافظ "المصرف المركزي" الإماراتي، مؤخراً، جانباً كبيراً من حالة الغموض التي سادت الأسواق بشأن منح تراخيص جديدة لمزاولة الأنشطة المصرفية في الدولة، بإعلانه أن المصرف قد قرر المحافظة على استمرار الوضع الراهن. إلا أن بعضهم لا يزال يرى أن "المصرف المركزي" لم يقل كلمته النهائية بعد في هذا الخصوص، حيث تلقى "المصرف المركزي" بالفعل عدداً من الطلبات للحصول على تراخيص تأسيس بنوك جديدة. ومن دون المبالغة في تحليل بواعث وأسباب مثل هذا القرار بشأن تجميد منح تراخيص جديدة لمزاولة الأنشطة المصرفية، فإن "المصرف المركزي" يرى أن القطاع المصرفي المحلي لا يحتمل مزيداً من التوسع الأفقي في الوقت الراهن، على الأقل، إذ إن هناك 26 مصرفاً أجنبيا و22 مصرفاً وطنياً تعمل جميعها في دولة الإمارات حالياً، بينما افتتحت هذه البنوك 86 فرعاً لها خلال الربع الثاني من هذا العام، في أكبر توسع لها داخل الدولة خلال ثلاثة أشهر. وإذا كانت عوامل فنية بحتة تتعلق بـ"التخمة" المصرفية في الدولة قد دفعت إلى التشديد في إصدار التراخيص للبنوك الجديدة، فإن ذلك لا يعني وجود خشية من فتح القطاع المصرفي والمالي في الإمارات أمام مزيد من اللاعبين الجدد، في ظل مواصلة البنوك الوطنية تحقيق نتائج مالية قوية في مختلف وحداتها وعملياتها. وهذا يعكس النجاح الكبير الذي حققته البنوك في تطبيق استراتيجيتها المتمثلة في تنويع أنشطتها التمويلية والاستثمارية وتطوير خدمات ومنتجات تلبي احتياجات قطاعات واسعة وجديدة، بالإضافة إلى الدخول في أسواق ومناطق جغرافية متعددة من خلال شراكاتها وتحالفاتها الاستراتيجية مع كبرى المؤسسات المحلية والعالمية. فالبنوك العاملة في الدولة تعيش حالياً أزهى أيام ازدهارها، فعملاؤها يتزايدون باستمرار وأرباحها متصاعدة ومنتجاتها تزداد تنوعاً وميزانياتها المالية تكبر باستمرار، بينما تشير الرؤية المستقبلية لهذه البنوك إلى وجود حركة أعمال متدفقة وفي وضع جيد يسمح لها بتطوير منتجات جديدة لتغطية احتياجات العملاء من خلال بيئة عمل من المتوقع أن تشهد نمواً كبيراً. ومع ذلك فإن التحديات التي يواجهها القطاع المصرفي في الإمارات تبقى قائمة، متمثلة في ضرورة الاستعداد لمواجهة مستويات أكبر من التنافس للاستحواذ على حصة أكبر من السوق، وذلك مع التوقع بدخول منافسين جدد إلى السوق المحلية والإقليمية، ومواكبة الثورة في تقديم الخدمات للزبائن والمستثمرين. إن المنافسة بين البنوك في سوق مصرفية مزدحمة تتجه نحو التصاعد مما يجعل من النجاح في خفض التكاليف مع الاستمرار في تقديم أجود الخدمات للمستهلك أحد أهم مستلزمات البقاء والاستمرار أمام البنوك العاملة في الدولة مع تزايد حدة التنافس. ورغم أن معظم البنوك المحلية الوطنية اتخذت خطوات جادة في رفع كفاءة منتجاتها وبرامجها مستعينة بالتكنولوجيا الحديثة والمتطورة حتى تستطيع خدمة عملائها لزمن أطول وفي وقت أقل، فإن هذه الخطوات لم تكن كافية في ظل محدودية رؤوس أموالها وموجوداتها التي تستطيع أن تنافس بها كبريات البنوك العالمية القادمة للمنطقة بكل ثقلها. فلا يزال هناك عدد كبير من البنوك الصغيرة التي يتعين عليها أن تحقق نمواً سريعاً وتزيد من كفاءتها إذا ما أرادت أن تحافظ على وجودها في سوق مصرفية تنافسية خلال المرحلة المقبلة. ومع أن خيار الاندماج المصرفي يبقى بيد البنوك المعنية، فإن ظروف المرحلة تقتضي أهمية الدخول في مرحلة من الاندماج. ـــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية