يتسم المناخ الحالي للعلاقات الإيرانية الغربية، بتوتر متصاعد وقدر غير قليل من الشحن المتبادل، لكن التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الفرنسي، والتي دعا فيها "العالم" إلى الاستعداد لمواجهة عسكرية مع إيران، أضفت على الموقف الأوروبي تجاه طهران، تعقيداً إضافياً قد تكون له تداعياته المباشرة على علاقات الجانبين. وفي هذه الأثناء صدر كتاب جديد عن "العلاقات الإيرانية –الأوروبية، الأبعاد وملفات الخلاف"، لمؤلفته سهيلة عبد الأنيس محمد، وفيه تتناول الأهمية الاستراتيجية لإيران، والرؤية الأوروبية لأمن الخليج، وملفات الخلاف الأوروبي الإيراني. وكما توضح المؤلفة فقد سعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودول المجموعة الأوروبية لتطوير علاقاتهما، في مختلف جوانبها السياسية والاقتصادية والعسكرية، لكن علاقاتهما كانت عرضة للتذبذب، وتباينت مواقف كل منهما إزاء القضايا التي كانت مطروحة على أجندة العلاقة بينهما، كما تأثرت هذه العلاقة أيضاً بضغوط الولايات المتحدة على الدول الأوروبية لتحجيم علاقاتها بإيران، في محاولة لعزلها دولياً. وتتابع المؤلفة أطوار التحول في العلاقات الإيرانية الأوروبية، إذ تلاحظ كيف اتسمت هذه العلاقات بالتقلب والتوتر، منذ سقوط نظام الشاه الذي كان حليفاً للغرب وقيام نظام الجمهورية الإسلامية عام 1978، ثم زادها تدهوراً الموقف الأوروبي من الحرب العراقية الإيرانية. لكن بعد رحيل الإمام الخميني، اتجهت إيران نحو إعادة رسم سياستها الخارجية وفق نهج براغماتي، وهيأت لها حرب الخليج الثانية عام 1991 الفرصة لتحسين علاقاتها بأوروبا، وأصبحت راغبة أكثر من أي وقت مضى في التحالف مع قوى كبرى لموازنة الانفراد الأميركي بالهيمنة على العالم، وللتعويض عن خسارة الاتحاد السوفييتي الذي لعب الدور البارز في دعمها سياسياً وعسكرياً. وكان عام 1992 نقلة نوعية في تاريخ العلاقة بين الطرفين، إذ اتخذت دول الاتحاد الأوروبي في قمة أدنبرة قراراً بفتح "حوار نقدي" مع إيران، وقد قصد الأوروبيون من وراء تلك السياسة اعتماد منهج في الانفتاح المنضبط والمتدرج في محاولة لتغيير الجانب الإيراني عبر الإقناع وتبادل المنفعة. لكن ود العلاقة بين الطرفين لم يدم وقتاً طويلاً إذ واجهته منغصات كثيرة، فقامت دول أوروبية بسحب سفرائها من طهران وتوقف "الحوار النقدي" عام 1993. وبعد جهود وساطة كبيرة، عاد السفراء الأوروبيون إلى طهران. ومرة أخرى كادت العلاقات الإيرانية -الأوروبية تتوتر ثانية إثر إعلان واشنطن سياسة "الاحتواء المزدوج" للعراق وإيران، لكن دول الاتحاد الأوروبي رفضت التعامل مع تلك السياسة، الأمر الذي أدى إلى إخفاق المحاولة الأميركية، فأصدرت واشنطن قانون "داماتو"، وجاء الرد الأوروبي عليه بالسلب أيضاً. ومع وصول التيار الإصلاحي إلى السلطة عام 1997، شهدت العلاقات الإيرانية -الأوروبية تطوراً لافتاً للنظر، لكن مع عودة التيار المحافظ ممثلاً في أحمدي نجاد، بدأ العد العكسي لموسم الانفراج في العلاقات الإيرانية -الأوروبية، فبدأت الهوة تضيق بشدة بين الموقفين الأوروبي والأميركي، أي الاتجاه الذي ربما ترجمته تصريحات مسؤول الدبلوماسية الفرنسية مطلع الأسبوع الجاري. ويتطرق الكاتب باستفاضة إلى واقع العلاقات الإيرانية –الأوروبية وما تنطوي عليه من معوقات ونقاط اصطدام، قائلاً إنه رغم الأهمية التي تحتلها إيران في تفكير صناع القرار الأوروبي، سواء لجهة موقعها ضمن خريطة التوازنات الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، أو لكونها ثاني مصدر للطاقة، بعد دول مجلس التعاون الخليجي، بالنسبة لأوروبا... إلا أن ثمة نقاط اختلاف وتباعد بينهما، تظهر في البرنامج النووي الإيراني، ووضع الحريات وحقوق الانسان في إيران، وموقفها من التسوية السلمية في الشرق الأوسط، إضافة إلى اتهامها بدعم الإرهاب. بيد أن إصرار إيران على الاستمرار في تطوير برنامجها النووي، استحوذ على القدر الأكبر من اهتمام السياسة الأوروبية، إذ رأت في ذلك البرنامج تهديداً خطيرا للاستقرار وتصعيداً لسباق التسلح في المنطقة، لذلك أثار البرنامج النووي الإيراني –ولا يزال- حالة من القلق الشديد لدى دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية معاً. ويتلخص الموقف الأوروبي في أنه يحق لإيران الحصول على التكنولوجيا النووية السلمية، لكن بشرط إبداء التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والكف عن أي نشاط لتخصيب اليورانيوم أو فصل البلوتونيوم. وانطلاقاً من هذا الموقف لعبت دول "الترويكا الأوروبية" (بريطانيا، فرنسا وألمانيا)، دوراً رئيسياً في إقناع طهران بالموافقة على توقيع البروتوكول الإضافي لاتفاقية عدم الانتشار النووي عام 2003. وقدم الأوروبيون لإيران "عرض الحوافز" لتثنيها عن امتلاك دورة الوقود النووي، لكن طهران رفضت العرض، ونتيجة لذلك اعتمد الأوروبيون الموقف الأميركي المطالب بإحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، وهو ما تم بالفعل في مارس 2006، ثم صوت الأعضاء الأوروبيون في المجلس على قرارين يفرضان عقوبات دولية محدودة على إيران. وإن ظلت أزمة الملف النووي في طليعة قضايا الخلاف بين الطرفين، الإيراني والأوروبي، فالسؤال هو: هل يستمر الأوروبيون على المسافة السابقة ذاتها من المحاولات الأميركية لعزل إيران، إن لم نقل؛ مهاجمتها عسكرياً في قابل الأيام؟! محمد ولد المنى الكتاب: العلاقات الإيرانية –الأوروبية، الأبعاد وملفات الخلاف المؤلفة: سهيلة عبد الأنيس محمد الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث تاريخ النشر: 2007