خلال شهر مارس الماضي، وفي جلسة استماع عادية لعرض الميزانية في الكونجرس الأميركي، حذر "مايكل دي. جريفين" مدير وكالة "ناسا" أعضاء الكونجرس من أن برنامج الفضاء الصيني الطموح يمكن أن ينجح في إنزال رجل فضاء صيني على سطح القمر قبل أن تتمكن الوكالة من استئناف رحلاتها الهادفة لإرسال رجال فضاء أميركيين إلى القمر والمريخ في إطار المشروع المقترح من الوكالة في هذا الشأن. ويمكن للتهديد الفضائي الصيني أن يتحول إلى ورقة رابحة قد يستخدمها "جريفين" لصالح الوكالة في الكونجرس، خصوصاً أنه يسعى حالياً للحصول على التمويل اللازم لبرنامج رحلات الفضاء المأهولة إلى القمر والمريخ والمشار إليه آنفا. والخوف الذي يسيطر على أميركا حالياً، ناتج عن شعور الأميركيين بأن تفوقهم الفضائي الذي استمر 35 عاماً، قد أصبح مهدداً الآن بسبب بروز منافسين جدد على الساحة. وتمثل الصين التحدي الرئيسي للولايات المتحدة، بعد أن أصبحت ثالث دولة ترسل بشراً إلى الفضاء عام 2003، ثم قامت بإرسال رجلي فضاء في رحلة حول الأرض عام 2005 ،وتخطط الآن لإرسال سفينة مدارية إلى القمر هذا العام، كما تعد خططاً لإطلاق سفينة تحمل ثلاثة رواد لإنزالهم على سطح القمر. والصين ليست هي الدولة المنافسة الوحيدة لأميركا في المجال الفضائي، حيث نجد أن الهند أيضاً تقوم في الوقت الراهن بتطوير برنامج لرحلات الفضاء، وتأمل إرسال رواد في سفينة تدور حول الأرض بحلول عام 2014. وهناك أيضاً اليابان وأوروبا اللتان تحرصان دائماً على إرسال رواد فضاء للمشاركة في رحلات المكوكات الفضائية، كما عملتا أيضاً على تطوير برامج علمية فضائية متطورة. فمن المعروف أن اليابان قد شرعت في تنفيذ مهمة مبتكرة للدوران حول كواكب صغيرة يقع بين الأرض والمريخ ويدعى "آيتوكاوا"، وهي مهمة لقيت اهتماماً كبيراً من قبل علماء الفضاء في العالم. أما فيما يتعلق بأوروبا فمن المعروف أن وكالة الفضاء الأوروبية تتوقع أن تكون قادرة على تشغيل شبكة "جاليليو" الملاحية، والتي تضم 30 قمراً، لتكون بديلاً عن نظام تحديد الموضع العالمي المستخدم في الولايات المتحدة الأميركية حالياً. أما روسيا التي كانت فيما مضى المنافس الوحيد للولايات المتحدة في مجال الفضاء، فإنها خرجت من اللعبة منذ تفكك الاتحاد السوفييتي السابق، وإن كان بعض المراقبين يتوقعون أن تؤدي الأموال التي تتدفق على روسيا حالياً بسبب الزيادة في أسعار النفط، إلى سعي الزعماء الروس للبحث عن طرق لإعادة تكريس وضع بلادهم على الساحة العالمية، وذلك باستئناف البرنامج الروسي الفضائي الذي كان قد وصل إلى درجة عالية من التقدم. حول هذه النقطة يقول "جون لوجسدون"، أستاذ علم تاريخ الفضاء في جامعة جورج واشنطن: "تتوافر لدى روسيا القدرات الفضائية، والقاعدة الصناعية الكبيرة، والكوادر المدربة، والقدرة التقنية على إطلاق رحلات فضائية في كافة الأجواء، لكن الذي كان يحول بينها وبين استعادة مكانتها الفضائية هو تواضع برنامجها وطموحاتها الفضائية خلال السنوات الماضية، وهو وضع مرشح للتغيير في أي وقت". وبعد مرور حوالي 50 عاماً على انطلاق أول رحلة فضائية، لا يزال التقدم في علوم الفضاء وبرامجها، يمثل مقياساً لقدرة الدول على الإنجاز وعلى المكانة التي تستحقها عالمياً. فضلاً عن ذلك تحول الفضاء في السنوات القليلة الأخيرة إلى مشروع تجاري مربح، وساحة للتنافس العسكري بين الدول المختلفة. فالرساميل الضخمة لا تزال تستخدم في تمويل بناء السفن الفضائية للحكومات، كما أن شركات الطيران الكبيرة في مختلف أنحاء العالم، مثل "بوينج" و"لوكهيد" و"الشركة الأوروبية الجوية للدفاع والفضاء" وشركة "آر.كي.كي إينيرجيا" (روسيا)... جميعها تركز على ذلك الأمر أيضاً. أما تصنيع الأقمار الفضائية التجارية فهو مشروع أكثر تواضعاً بكثير، وهو ما يتبين من خلال معرفة أن دول العالم المختلفة قد أنتجت 80 قمراً اصطناعياً منذ عام 2004، كان نصيب الصين منها 3 أقمار. وهناك صناعة فضائية مربحة تحتكرها روسيا تتمثل في تشغيل خدمة التوصيل إلى المحطة الفضائية الدولية باستخدام مركبتها الفضائية المعروفة" سايوز". ومنذ عام 2001 دفع 20 سائحاً فضائياً ثرياً 20 مليون جنيه للسائح الواحد، من أجل زيارة المحطة الدولية. ويشار إلى أن "سايوز" قد تولت عملية نقل رواد فضاء أميركيين إلى المحطة المذكورة بعد الحادث الذي تعرض له المكوك "كولومبيا" والذي أدى إلى تعطل أسطول الفضاء الأميركي برمته. وتعكف الولايات المتحدة في الوقت الراهن على تطوير مركبات إطلاق متطورة قادرة على إعادة رواد الفضاء الأميركيين مرة ثانية إلى القمر ونقلهم في نهاية المطاف إلى كوكب المريخ. إن مثل هذا الطموح الفضائي لإنجاز مهام فضائية ذات درجة خطورة عالية، كان هو الذي منح أميركا دائماً التفوق في المجال الفضائي. فالدكتور "جونسون فريز"، الأستاذ بكلية الحرب البحرية الأميركية، يرى أنه رغم إنجازات الصين وطموحاتها الفضائية، فإنه ليس هناك دلائل تفيد أنها ستكون قادرة على التنافس مع الولايات المتحدة في المهارة الفنية، والبنية التحتية الفضائية، وأن الموضوع بأكمله يتعلق "بإرادة القيادة الصينية في تحدي كل ما ترغب أميركا في عمله، أو كل ما ترغب في الإنفاق عليه". جاي جاجليوتا ــــــــــــــــــــ كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"