في شهر يونيو الماضي، أكد قادة الدول الثماني الكبرى التزامهم بخفض انبعاثات غازات الدفيئة (الغازات المسببة للاحتباس الحراري) التي يسببها الإنسان، والتي تعزى لها المسؤولية المباشرة عن الارتفاع الخطير في درجات حرارة الأرض. وبحسب تلك الالتزامات، من المفترض أن تنخفض نسبة انبعاث هذه الغازات إلى حوالي 50 في المئة بحلول عام 2050، مقارنة بما كانت عليه في عام 1990. وتعد هذه النداءات الراديكالية حاسمة من أجل تفادي كارثة مناخية محققة، غير أنها تثير قلق الكثير من الدول في ذات الوقت. والسبب هو الضرر الذي يلحقه خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات السامة الأخرى المسببة للاحتباس الحراري باقتصادات هذه الدول. لكن ومهما يكن فإنه لا يمكن للخوف أو القلق أن يكونا مبرراً لعدم الالتزام بما فيه الحفاظ على الحياة نفسها على كوكب الأرض. وكما جاء في تقرير "ستيرن" للعام الماضي 2006، فإن التغير المناخي، وليس الجهود الرامية إلى تفاديه، هو الذي يلحق ضرراً فادحاً باقتصاديات الدول والأمم وليس العكس. وهنا ينبغي لنا ذكر الأخبار السارة. فقد أظهرت التجربة الناجحة التي قام بها الاتحاد الأوروبي مدى فعالية برنامجه الخاص بضريبة الكربون والاتجار في الصناعات والمواد المرتبطة بالانبعاثات المعنية هذه. وعليه فقد حان للولايات المتحدة الأميركية أن تنتبه لجاذبية هذه المبادرة الأوروبية الناجحة. يلاحظ هنا أيضاً أن أميركا نفسها قد شرعت سلفاً في التصدي للتلوث البيئي الناجم عن ثاني أكسيد الكبريت. غير أن المبادرات الفردية وحدها لا تكفي للإيفاء بهذه الالتزامات، ولا تزال الحاجة قائمة لإبرام معاهدة دولية طموحة تحت مظلة الأمم المتحدة، تنص على التزام الدول الصناعية المتقدمة بخفض انبعاثاتها من الغازات هذه، إن كنا جادون حقاً في الحيلولة دون بلوغ خطر التغير المناخي مرحلة مدمرة لاقتصادات الأمم والشعوب، وتتعرض فيها حياة الملايين من البشر للخطر الفعلي خلال العقود القريبة المقبلة. ولكي تتجاوز المعاهدة الجديدة هذه ما تم التوصل إليه من قبل في بروتوكولات معاهدة كيوتو بحلول عام 2012، فإنه لابد للمفاوضات بشأنها أن تبدأ في وقت مبكر بجزيرة بالي الإندونيسية، على أن تكتمل في وقت متأخر من عام 2009. هذا ويتعين على الدول الصناعية، بل على العالم بأسره، وضع حد لزيادة انبعاثاته من الغازات السامة خلال عشرة أعوام من الآن، حتى يتسنى له تحقيق الاستقرار اللازم في ارتفاع درجات حرارة الأرض في المستوى الآمن نسبياً، أي في حدود ما لا يزيد على درجتين حراريتين مئويتين أو ما يعادل حوالي 3.6 درجة فهرنهايت، وهو المعدل السابق للمرحلة الصناعية. وتتلخص الخطوة الأولى نحو تحقيق هذا الهدف في ضرورة التزام الدول الصناعية المتقدمة بتقديم القدوة والمثل، والعمل على خفض انبعاثاتها من غازات بيت الزجاج إلى نسبة 30 في المئة، قياساً إلى ما كانت عليه هذه المعادلات في عام 1990، بحلول العام 2020، بموجب نص المعاهدة الدولية الجديدة التي سيتم إبرامها. ليس ذلك فحسب، بل يتعين على هذه الدول المتقدمة المساهمة في الانخفاض الدولي العام للانبعاثات هذه بإبطاء انبعاثاتها هي من الغازات نفسها. وعلى رغم التحديات الكبيرة المحيطة بهذه الخطوة، فإن تحليلاتنا بينت أن إجراء الخفض المطلوب لهذه الغازات، ممكن من الناحية التقنية، بقدر ما هو مقدور عليه اقتصادياً أيضاً. وكلما أسرعنا باتخاذ الخطوات العملية اللازمة، كلما كانت التكلفة أقل. ثم إن علينا ألا ننسى أن الوقت ماض وقاطع كالسيف باتجاه الكارثة المناخية المؤكدة إن لم نسارع إلى تفاديها. وهذا هو ما دعا الاتحاد الأوروبي إلى المبادرة بإجراء خفض كبير لانبعاثاته من الغازات المعنية هذه، إضافة إلى استعداده لإجراء المزيد من الخفض مستقبلاً. ونحن على قناعة عميقة بأن إحدى الوسائل الناجعة لخفض تكلفة هذه الالتزامات البيئية هي التجارة في الانبعاثات نفسها، وهي الوسيلة التي سبقتنا إليها الولايات المتحدة الأميركية بما ابتكرته في مجال السيطرة على التلوث البيئي الناجم عن ثاني أكسيد الكبريت. ويعد "النظام الأوروبي لتجارة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري" الذي جرى إنشاؤه في عام 2005، حجر الزاوية الرئيسي في استراتيجيتنا الخاصة بالتغير المناخي. وفي اعتقادنا أيضاً أن في إنشاء سوق دولي للكربون، قائم على تجارة الانبعاثات الدولية من الغاز هذا، لا بد من أن يحتل مكانة متقدمة من أولويات المعاهدة المناخية الدولية الجديدة التي سيجري التفاوض بشأنها، إن كان للعالم أن يفي بالتزاماته إزاء خفض هذه الانبعاثات بأقل تكلفة ممكنة بحلول العام 2012. وحتى هذه اللحظة يهتم "نظام تجارة انبعاثات غازات بيت الزجاج الأوروبي" بمشكلة ثاني أكسيد الكربون بصفة خاصة، ويعمل على خفض انبعاثاته الحالية من نحو 10.500 مصدر أوروبي رئيسي من المصادر الصناعية التي تساهم مجتمعة بنسبة 50 في المئة تقريباً من جملة انبعاثات دول الاتحاد الأوروبي من هذا الغاز. ويعمل النظام المذكور باستخدام قوى السوق نفسها في وضع تعرفة وأسعار على انبعاثات الكربون. ومن محاسن هذا النظام أنه يلزم المؤسساتِ الصناعيةَ المسؤولةَ عن الانبعاثات بخفض مساهمتها فيها، وتبني تكنولوجيا ذات كفاءة عالية وأكثر قدرة على خفض الانبعاثات الملوثة للبيئة، وذلك عن طريق ربطه المباشر للانبعاثات هذه بتكلفتها الاقتصادية الفعلية. وفيما لو حظيت هذه الجهود بدعم الحكومات وتشجيعها، فإنها لا شك ستمثل دافعاً حقيقياً لعجلة الابتكار البيئي. ستافروس ديماس ـــــــــــــــــــ المفوض الأوروبي لشؤون البيئة ـــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"