كثيراً ما يصدر عن إدارة بوش ما يجعل المرء يتساءل: هل أنا المجنون، أم هم؟ ولقد مررت بلحظة من تلك اللحظات الأسبوع الماضي، عندما سئُلتْ "دانا بيرينو" السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض عن مقترح تقدم به بعض الأعضاء "الديمقراطيين" في الكونجرس بتحصيل ضريبة إضافية لتمويل حرب العراق، فكان ردها: "لقد كنا نعرف دائماً أن الديمقراطيين يودون العودة إلى نمطهم المألوف في رفع الضرائب المفروضة على كل شيء تقريباً". حقاً كم هم سخفاء هؤلاء "الديمقراطيون"... إنهم يودون رفع الضرائب على كل شيء تقريباً حتى- وانتبهوا لهذه- لو كان ذلك من أجل تمويل الحرب! وأضافت "بيرنو": "حتى لو رفعنا الضرائب للإنفاق على حربنا، وتحقيق قدر من الديمقراطية في العالم العربي، فهل يعتقد أي منكم حقاً أن الديمقراطيين سيتوقفون عن المطالبة بفرض ضرائب جديدة، ومطالبة الشعب الأميركي بدفعها في وقت لا توجد فيه ضرورة حقيقية لذلك... إن أقلَّ ما يمكن أن نصف به مثل تلك المطالبة، هو أنها تعبر عن سلوك مالي غير مسؤول". أصدقائي انتبهوا معي لحظة لأننا ننظر الآن عبر المرآة السحرية، كي نرى أننا نعيش في زمن أصبحت فيه المطالبة بفرض المزيد من الضرائب لتمويل الحرب تمثل سلوكاً لا يمكن وصفه سوى بأنه "سلوك مالي غير مسؤول". هل تذكرون أصدقائي تلك الجنية السحرية التي كانت أمهاتنا يقلن لنا إنها تأتي ليلاً لتضع تحت وسادتنا نقوداً مقابل كل سن نفقدها. هل تذكرونها؟ حسناً. هؤلاء "الديمقراطيون" على ما يبدو لا يتذكرونها، ولا يعرفون أن تلك الجنية الأسطورية هي التي تدفع الآن نفقات الحرب. نعم... إنها هي التي تأتي ليلاً وتترك ما يكفي لتمويل نفقات تلك الحرب تحت وسادة وزير الخزانة "هانك بولسون"، ويا لها من وسادة! رباه... ترى ما هو الشيء الذي ستتمخض عنه قريحة هؤلاء "الديمقراطيين" بعد ذلك؟ هل سيطالبون مثلاً بضرائب لبناء جسور، ومدارس، وسكك حديدية لقطارات فائقة السرعة، وتمويل تكاليف تجديد شبكتنا التي عفا عليها الزمن للربط الإليكتروني عالي القدرة؟ لا أعتقد أن هناك داعيا لذلك، لأن تلك الجنية الأسطورية سوف تتكفل بتوفير كل تلك النفقات، ولن يكلفها الأمر شيئاً في الحقيقة، لأنها ستقترض هذه الأموال من الصين وتضعها تحت وسادة السيد "بولسون". نحن قادرون بالطبع على دفع نفقات حرب العراق من دون زيادة الضرائب بيد أن السؤال هو: هل تسمح لنا إمكانياتنا بدفع تلك النفقات، مع الاستمرار في نفس الوقت في توفير الأموال المطلوبة للاستثمار في مشاريع البنية التحتية، والعلوم، والتعليم، التي تمكن بلادنا من مواصلة انطلاقتها عبر القرن الحادي والعشرين، علما بأننا لو زرنا سنغافورة أو اليابان أو ماليزيا أو كوريا الجنوبية أو الصين أو أجزاء من أوروبا اليوم، فسوف نجد أن البنية التحتية في بلادنا لم تعد قادرة على مواكبة البنى التحتية في تلك البلدان. إننا نستطيع دفع نفقات أي شيء اليوم إذا ما كنا نريد أن نتوقف عن الاستثمار في الغد، علما بأن الرئيس بوش قد قام بالفعل بإجراء تخفيض كبير خلال العامين الماضيين على ميزانية "المعاهد الوطنية للأبحاث الصحية" كما أن ميزانيته المقترحة لعام 2008 تريد منا تخفيض مخصصات التدريب المهني، والبنية الأساسية، والعديد من برامج مساعدات الطلاب. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يؤمن فريق بوش حقاً بأننا لو دفعنا ضريبة إضافية مقدارها دولارا واحدا للجالون من البنزين- وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تقليل اعتمادنا على نفط الشرق الأوسط، وتقليص ضرائب الدخل للعاملين من محدودي الدخل، وتعويض العجز في الميزانية، وتمويل دراسات وأبحاث تطوير الطاقات البديلة- فإن ذلك سيؤدي إلى تدهور أوضاعنا كدولة؟ معذرة آنسة" بيرينو"، ولكنني أود من قلبي أن يعود "الديمقراطيون" مرة ثانية إلى نمطهم الذي أعرفه عنهم، وهو أنهم ينتمون لذلك الطراز من الناس الذين يعملون حساب الغد، ويستثمرون في المستقبل من أجل أبنائهم، ولا يؤمنون بجدوى الوجبات المجانية، والحروب المجانية. ليس هناك ما يدعو للدهشة إذن عندما نعرف أن صحيفة"وول ستريت جورنال" قد نشرت قصة خبرية تحت عنوان:"الحزب الجمهوري يفقد سيطرته على أصوات أصحاب مشروعات الأعمال الكبرى"، جاء فيها أن"رجال المال المحافظين يفرون بأعداد كبيرة من الحزب الجمهوري بسبب غضبهم من زيادة الإنفاق الحكومي خلال الأعوام الستة التي سيطر فيها الجمهوريون على الكونجرس بمجلسيه". على ضوء ذلك لم يكن من المستغرب أن يدلي "آلان جرينسبان" بتصريح لتلك الصحيفة يقول فيه:"إنني لم أعد قادراً على التعرف على ملامح الحزب الجمهوري الذي سيطر على مجلس النواب ومجلس الشيوخ ومنصب الرئاسة". ليس هناك شك في أن العضو الديمقراطي "ديفيد أوبي" رئيس لجنة المخصصات المالية في مجلس النواب الأميركي، كان يعبر عندما اقترح فرض ضريبة تسمى ضريبة حرب العراق لتحقيق التوازن في الميزانية،عن عدم رضاه عن الحرب، ولكنه حين فعل ذلك أثار أيضاً نقطة مهمة جداً عندما قال:"إذا ما كان من الأهمية بمكان خوض تلك الحرب، فإنه يجب أن يكون من الأهمية بمكان أيضاً أن ندفع ضرائب من أجل تمويلها". إن الصراع ضد الإسلام الراديكالي هو معركة جيلنا، ونحن جميعاً بحاجة إلى خوض تلك المعركة بحماس دافق بدلاً من أن نقيدها على حساب بطاقة ائتمان أبنائنا. إن الأجيال الأميركية السابقة تواصلت مع قواتنا المقاتلة في الخارج من خلال القيام بتضحيات في الوطن. وكما قال "روبرت هورماتس"، مؤلف كتاب" ثمن الحرية" الذي يحكي كيف دفعت أميركا نفقات حروبها منذ 1776 وحتى الحاضر، فإنه لم يسبق لأميركا"أن قامت بترحيل نفقات حرب بكاملها إلى الجيل التالي". وكان من ضمن ما قاله السيد "هورماتس" أيضاً:" في كل حرب كبرى خضناها في القرنين التاسع عشر والعشرين، كان يطلب من الأميركيين دفع المزيد من الضرائب، كما كان يتم إلغاء البرامج غير الضرورية من أجل دعم المجهود الحربي... وليس هذا هو ما حدث في حرب العراق، حيث خُفِضتْ الضرائب، وزاد الإنفاق المحلي. فعلى النقيض من الحربين العالميتين الأولى، والثانية، والحرب الكورية، وحرب فيتنام، فإن الحرب الحالية لم ترتب على الأميركيين أي تضحيات اقتصادية... والوحيدون الذين يضحون من أجل تلك الحرب بالفعل هم الجنود وعائلاتهم". كتب السيد "هوماتس" أيضاً في كتابه المذكور أن "جورج واشنطن قد قال في خطابه الوداعي:"يجب علينا أن نكون حريصين، ولا نلقي بالأعباء التي يجب علينا تحملها على عاتق الأجيال اللاحقة". ــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"