قرار الكونجرس "غير الملزم" بتقسيم العراق، قد يكون ملزماً حين يأتي "الديمقراطيون" للرئاسة، فلا ننسى أن جوزيف بايدن –مهندس القرار- يعد قطباً "ديمقراطياً" في الكونغرس، وما ليس ملزماً اليوم، قد يصبح ملزماً غداً حين تدعو الحاجة وتتغير الظروف. ولنتذكر أن قرار الإطاحة بصدام أقره الكونغرس عام 1998، لكن تفعيله جاء بعد خمس سنوات عام 2003، حين جاء "المحافظون الجدد" وحصلت هجمات سبتمبر. أدبياتنا مليئة هذه الأيام بالمؤامرة التي سينفذها الصهاينة بإشعال المنطقة برمتها على أسس طائفية بحتة. فإسرائيل تسعى لتمزيقها بالحروب الطائفية والعرقية، لكي تضمن سيطرتها وهيمنتها. ولا أريد أن أجادل ضد هذا المنطق، لا بل إنني أتبنى "جدلاً" هذه المؤامرة وأتمنى العمل على إيقافها. ولكن مَن يمتلك حقاً وقف تقسيم العراق؟ أو مَن لديه القدرة حقاً على تقسيمه؟ رفَضَ البيت الأبيض (ولنقلْ ظاهرياً) قرار التقسيم، ورفضه كل جيران العراق: السعودية والكويت وسوريا والأردن وإيران وتركيا. إيران -على عكس ما يظن الكثيرون- لا ترغب بدولة شيعية في الجنوب، لأن ذلك سيخلق متاعب جنوبية لها، حيث ستجاور هذه الدولة الشيعية- العربية عرب إيران الذين لهم امتداداتهم العراقية العشائرية، كما ستعمّق الخلافات الفقهية بين قُم والنجف. أي أن الدولة الشيعية في الجنوب ستخلق لإيران مشاكل على المدى البعيد هي في غنى عنها، ولذا تفضل إيران كياناً طائفياً ضعيفاً في الجنوب مرتبطاً شكلياً بدولة مركزية عاصمتها بغداد، ومرتبطاً روحياً واقتصادياً بإيران. أما تركيا، فإن استقلال الدولة الكردية سيعني لها قلاقل في أقاليمها الكردية التي تحوي أكثر من خمسة عشر مليون كردي، وسوف تعمل تركيا على خنق هذا الكيان وإضعافه وخلق تمرد تركماني داخله يلهيه عن تقديم نموذج مستقر لباقي الأكراد. والأمر نفسه يمكن أن يقال عن إيران وسوريا اللتين لكل منهما أقليتها الكردية التي ستتباعد في تطلعها نحو الدولة الكردية الوليدة. وسيخلق الكيان السُّني لسوريا احتقانات طائفية تضرب في شرعية نظامها الذي يقوده العلويون، كما أنه سيفقدها الشرعية في اللعب بالورقة العراقية كورقة سياسية في الشرق ضمن صراعها مع جبهات الغرب اللبناني والجنوب الجولاني. والتقسيم ضد مصالح الأردن والسعودية، فالكيان الطائفي السُّني غرب العراق سيكون حتماً محتقناً وشحيح الإمكانات، وخصوصاً أن التطرف (الطالباني) في الكيان الجديد سيكون سمته الغالبة. أما الكويت والسعودية فإنهما تريان في كيان طائفي شيعي جنوباً خطراً على الصف داخل هاتين الدولتين، ولذا فإنهما حافظتا -وخصوصاً الكويت- على علاقات جيدة مع كافة الأطياف في الجنوب من سياسية-طائفية وعشائرية تقليدية. الحكومة العراقية -في كافة المنطقة الخضراء- أعلنت أنها والأحزاب العراقية والميليشيات كلها (ولنقلْ ظاهرياً أيضاً) ضد قرار التقسيم. إذن من يمكن أن يسعى لتقسيم العراق إذا كانت أميركا الرسمية وجيران العراق وقواه كافة ضد التقسيم؟ وهل يمكن فرض التقسيم لبلد ما بقرار؟ أم أن له أدواته التي ستعمل على تنفيذ ذلك القرار؟ الحقيقة أن العراقيين وحدهم هم الذين يمتلكون القدرة على تنفيذ هذا القرار أو إجهاضه قبل فرضه، ولكن الشواهد تقول إن العراقيين أنفسهم بدأوا بتطبيق هذا القرار على أرض الواقع حتى قبل صدوره، فقد كونوا ميليشيات وأحزاباً على أسس طائفية، وأقدموا على تصفيات طائفية منذ سقوط النظام، ولنترك التنظير جانباً، بأن العراقيين إخوة، فالواقع شيء والتنظير شيء آخر، وما على المنظِّرين سوى إثبات صحة ما يقولون، وليعملوا سريعاً على تعزيز عراقيتهم، بنبذ الطائفيين في الانتخابات القادمة، وحل الميليشيات الطائفية التي عززت الفرقة والانقسام، واستهترت بالدولة وبجيشها وشرطتها. العراقيون وحدهم -ولا أحد غيرهم- يمكنهم تنفيذ قرار التقسيم أو قتله في مهده، فهل هم فاعلون؟ د. سعد بن طفلة العجمي