في وقت مبكر من هذه الحملة الانتخابية الأولية، كان المرشح الديمقراطي هوارد دين، قد حذر من أنه ما لم يكن الديمقراطيون في غاية الحذر، فإنه سوف يتسنى للجمهوريين تحويل الحملة الانتخابية إلى تفويض ممنوح لهم لبسط وصايتهم على كل من الشواذ والدين والأسلحة. ما أراد دين قوله إيجازاً هو أنه فيما لو جابه الجمهوريون انتكاسات وتراجعات في مساعيهم الجارية الآن في حرب العراق، ورفع معدل النمو الاقتصادي القومي، فإنهم من الأرجح أن يميلوا للتركيز على ما يطلق عليه في لغة الحوار العام، على نحو غائم ومبهم اسم " المسائل الأخلاقية". وقد كان دين محقا ومصيبا فيما قال. فكما أظهرت تطورات الأحداث خلال الأسابيع القليلة الماضية، فإن للديمقراطيين من الأسباب ما يدعوهم إلى رفع درجات الحذر والانتباه، مخافة أن تتحول الحملة الانتخابية الجارية للعام الحالي 2004 إلى ساحة للحوار والتنازع القوميين حول مسائل مثل "زواج الشواذ" وحقوق الإجهاض المختلف عليها، إلى غيرها من القضايا المثيرة دائما للنزاع والجدل.
فإثر قرارات صادرة عن بعض المحاكم، سرت على امتداد الولايات كلها، حُمىّ زيجات الشواذ خلال الفترة القليلة الماضية. فما كان من الرئيس بوش إلا أن أعلن عن تأييده للدعوة إلى إجراء تعديلات على الدستور الأميركي بحيث يكفل وقف مثل هذه الزيجات. وفي هذا الإعلان ما يؤكد أن زيجات الشواذ، ستطرح كموضوع للمناقشة العامة، على الأقل خلال الشهور القليلة المقبلة السابقة للانتخابات النهائية في شهر نوفمبر المقبل. يذكر أنه كانت قد مورست الضغوط على كلا المرشحين الديمقراطيين اللذين لا يزال التنافس مستمرا بينهما، كي يحددا موقفيهما من هذه الظاهرة المستشرية في البلاد. فما كان منهما إلا أن لجآ أولاً إلى استخدام بعض التعابير والتأويلات القانونية، ثم ما لبثا أن فضلا خياراً أسهل وطريقاً أكثر أماناً للخروج من هذا المأزق. وكان طبيعياً أن يؤكدا أن الانتخابات الجارية الآن، إنما تتعلق بأمور ثلاثة هي الحرب والاقتصاد القومي ومصداقية الإدارة الأميركية.
هكذا تسنى للرئيس بوش التعبير عن موقفه حيال قضية تتعلق بالقيم والأخلاق، وتأكيد رأي تقليدي رافض لكل ما يتعارض معها، في حين لم تتح الفرصة نفسها لمنافسيه الديمقراطيين للتعبير عن موقف، سواء كان مغايراً أم خلاف ذلك. ولما كان سلوك الديمقراطيين ينسجم ورؤيتهم للحملة الانتخابية الجارية، فقد بقي أن نرى كيف تكون ردود الفعل تجاه هذا السلوك من قبل تلك الكتلة الترجيحية الصغيرة نسبيا من الناخبين، القادرة في الوقت ذاته على أن تلعب دوراً حاسماً في تحديد مصير الحملة الانتخابية برمتها.
ولكن هناك مشكلة تتلخص في أن الديمقراطيين والليبراليين بوجه عام، قد تخلوا -على امتداد عقود عديدة - عن مناقشة المسائل الأخلاقية، تاركين بذلك الحبل على الغارب للجمهوريين والمحافظين عموماً للخوض وحدهم فيها. لذلك فقد عرف الديمقراطيون بصفتهم الحزبية، على أنهم أكثر اهتماماً بالبرامج الاقتصادية ونتائجها وتداعياتها الاجتماعية إلى آخره. وهم في ذلك لا يحددون إطاراً أخلاقياً عاما ينتظم مجموع سياساتهم وأجندتهم. غير أن ما يحدث اليوم هو أن الديمقراطيين باتوا أمام نقاش لا مهرب منه، يدور حول المسائل الأخلاقية، بحكم التحدي الذي وضعهم في مواجهته الرئيس بوش، بصفته جمهورياً ينازلونه معركة التنافس الانتخابي. ففي منظور بوش، تظل جملة من المسائل محسومة وغير مقبولة أصلا من قبل رجل الشارع العام الأميركي. على رأس هذه المسائل وأهمها: زواج الشواذ، وأداء الصلوات داخل الحرم المدرسي، ثم الإجهاض.
وعليه فلم يعد ثمة خيار آخر للمرشحين الديمقراطيين سوى أن يجدوا مخرجا ما لهذه المواجهة، حتى لا يسمحوا للانتخابات الرئاسية أن تنزلق إلى فخ هذه القضايا الأخلاقية، وتصبح هي محور النقاش والجدل العام، في ذات الوقت الذي يعبرون فيه عن رأيهم في قضية عامة، تتصل بجملة من المبادئ والقيم الأميركية الراسخة، منها المساواة في الحقوق، والحريات الشخصية، والتسامح وغيرها. وهذا هو الواجب الملح المطروح أمامهم الآن.