الدستور" الأوروبي... هل تم تمريره باسم آخر في لشبونة؟! زيارة الزعيم الليبي إلى باريس، واتفاق ليشبونة الأوروبي، ومخاض استقلال كوسوفو الصعب، موضوعات ثلاثة نعرض لها ضمن جولة سريعة في الصحافة الفرنسية. زيارة القذافي لفرنسا: أثارت زيارة الزعيم الليبي معمر القذافي هذا الأسبوع إلى باريس الكثير من السجالات -معها وضدها- في الصحافة الفرنسية. وفي هذا السياق كتب بيير روسلين -مسؤول الشؤون الدولية في صحيفة لوفيغارو- افتتاحية بعنوان: "الواقعية السياسية" Realpolitik استعرض فيها بعض التحولات التي عرفتها السياسة الخارجية الليبية خلال السنوات الأخيرة، منذ إعلان طرابلس التخلي عن برامج أسلحة الدمار الشامل سنة 2003، مروراً بحل مشكلة لوكيربي وتعويض ضحاياها وضحايا طائرة "اتحاد النقل الجوي" UTA، وصولاً إلى إطلاق سراح الممرضات البلغاريات، مما فتح الباب أمام تطبيع العلاقات الغربية مع ليبيا، وقد تقدم حلفاء فرنسا، من أميركيين وإنجليز، خطواتها بأشواط بعيدة على هذا الطريق. ولذا فإن انتقاد بعض الأطراف السياسية والإعلامية الفرنسية لزيارة الزعيم الليبي إلى باريس، وخاصة لبعض ما قيل إنه جاء في تصريحاته حول أوضاع المهاجرين والضواحي وسوى ذلك، لا مبرر له. ذلك أنه ليس لزاماً أن يكون كل من تتعامل معهم أو تتعاون معهم، متفقين معك في كل شيء، كما تقتضي مبادئ السياسة الواقعية، في أبسط صورها. فالرئيس ديجول -يقول الكاتب- فتح ذراعيه لتطوير العلاقات مع الصين، على رغم اختلاف أيديولوجيات وتوجهات البلدين السياسية. والمثال نفسه يصدق على ليبيا اليوم، التي تشكل عشرة مليارات، ستستفيد منها الشركات الفرنسية في اتفاقات التعاون الموقعة معها، عامل جذب آخر من حق فرنسا تماماً عدم التفريط فيه. هذا إضافة إلى أن ليبيا نفسها ليست بلداً يسهل تجاهله، فهي عضو فاعل على مسرح سوق الطاقة والنفط، وتقع عند نقطة التقاء بين أفريقيا والعالم العربي، وتواجه موجة المد الديني المتشدد، كما أن لها دوراً في تهدئة أكثر من نزاع يهم فرنسا. وما دام الأمر كذلك فإنه لا يوجد عيب في أن نعترف بمصالحنا الوطنية الفرنسية وأن ندافع عنها، ودون حرج. مكيدة "اتفاق لشبونة": تناول العديد من كتاب افتتاحيات الصحف الفرنسية الاتفاق الذي وقعه القادة الأوروبيون في ليشبونة هذا الأسبوع كمحاولة لإعادة إطلاق المشروع الأوروبي مجدداً بما يجنبه الاختناقات الدستورية التي فرضها إخفاق مشروع الدستور في التصويتين الفرنسي والهولندي. ففي افتتاحية بعنوان: "كل التوفيق لاتفاق ليشبونة" اعتبرت صحيفة لوفيغارو، الاتفاق طريقة مثالية للخروج من المأزق، ودون اللجوء إلى المناورة بدستور "مُبسَّط" أو "صغير". وعلى ما يبدو فإن الزعماء الأوروبيين استخلصوا في ليشبونة دروس الـ"لا" الفرنسية والهولندية، فقرروا هم تمرير "اتفاق" بديل، في أفق تمريره عن طريق البرلمانات وليس عن طريق الاستفتاءات. وهنالك فرق واضح ومختلف النتيجة بين الطريقين. ففي البرلمانات الأوروبية يوجد نواب حزبيون طيِّعون خاصة في الحالات التي تتمتع فيها الحكومات بأكثريات تشريعية، وأما في الاستفتاءات فهنالك الشارع الأوروبي بكل معارضاته وهواجسه وتياراته اليسارية والعدمية، مما يعني استطراداً صعوبة تمرير أي نص أو تعديل أو "دستور". وإذا استثنينا هولندا التي يفرض القانون فيها عرض الاتفاق على الاستفتاء، فإن تمريره مضمون تقريباً في بقية الدول الأوروبية. والأهم من هذا كله -تقول الصحيفة- أن اتفاق ليشبونة حسم في موضوعات بالغة الأهمية بالنسبة للمستقبل الأوروبي، وفي مقدمتها طريقة دوران الرئاسة، ووضع إطار دبلوماسي أوروبي مشترك يسمح بأن تتحدث أوروبا بصوت واحد. وعلى العكس نجد هجوماً شديداً على اتفاق ليشبونة الأوروبي في افتتاحية كتبها جان بول بييرو بصحيفة لومانيتيه. فقد اعتبر أن الطريقة التي راح الرئيس ساركوزي يوافق بها على هذا الاتفاق تعكس إلى أي حد يستهين الرئيس الفرنسي بقرارات الشعب الذي قال "لا" للدستور الأوروبي. ويبقى الأمل الوحيد في إسقاط عملية بيع ذلك الدستور تحت مسمى آخر للفرنسيين، هي أن يقول ثلاثة أخماس أعضاء البرلمان "لا" هذه المرة. وهو رهان قد لا يتحقق في ضوء ماكينة الدعاية الإعلامية التي بدأت الدوران الآن. ولأن لكل طريقته في خلق الأساطير، وتصديقها، فقد بدأ اليمين الفرنسي الحاكم الآن في المراهنة على أن تغيير الاسم فقط من مشروع الدستور الأوروبي إلى اتفاق ليشبونة كفيل بأن يقلب الموازين، ويجعل الفرنسيين يقبلون ما رفضوه قبل عامين. وفي مجلة لونوفل أوبسرفاتور كتب جان مارسيل بوجيرو عموداً بعنوان: حسابات أنصار الـ"لا" الخاطئة، استعرض فيه أبرز نقاط القوة والضعف في الاتفاق الأوروبي الجديد، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الخاسر الأكبر الآن هو أنصار الـ"لا" من اليسار الأوروبي، في مقابل الاتجاهات الأكثر ليبرالية، والأكثر أطلسية. "أوروبا وكوسوفو": تحت هذا العنوان جاءت افتتاحية صحيفة لوموند ليوم أمس، التي قالت في مستهلها إن الطريقة التي سيعالج بها الأوروبيون مشكلة كوسوفو ستكون مؤشراً مهماً يمكن الحكم من خلاله على قدرتهم المستقبلية على التأثير في الشؤون الدولية. ولكن مشكلة الأوروبيين الكبرى في هذا الملف تحديداً هي انقسام مواقفهم، وعجزهم المطبق عن اجتراح حل حاسم. ولا يغير من هذه الحقيقة شيئاً، تصريح ساركوزي أمس الأول (الجمعة) في بروكسل بأنه "لا الروس ولا الأميركيون، هم من يتعين عليهم حل أزمة كوسوفو. إنها مسؤولية الأوروبيين". ذلك أن هنالك دولاً مثل إسبانيا وسلوفاكيا ورومانيا وقبرص، لا تقبل الإعلان عن استقلال الإقليم دون قيد أو شرط، وذلك خوفاً من تنامي النزعات الانفصالية في هذه الدول. هذا إضافة إلى عدم وجود اتفاق بين العواصم الأوروبية حتى الآن حول كيفية الترضية المقابلة التي يمكن جعل صربيا تقبل استقلال الإقليم لقاءها. وفي المقدمة من ذلك المضي قدماً في عملية التفاوض مع بلجراد على طريق الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي دون ربط ذلك بمسألة التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، واستحقاقات تسليم كبار المتهمين إلى لاهاي. ويبقى الخيار الأوروبي الوحيد الآن هو المناورة بمبادرة إرسال قوة مدنية من رجال الشرطة والجمارك والقضاة لمساعدة سلطات الإقليم في تسيير أموره، مع العمل، بهذه الطريقة أو تلك، على دعم القوى الديمقراطية في صربيا نفسها، للفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، علَّ تغير المعطيات السياسية على الأرض هناك، يسهل إيجاد مخاض أقل عسراً من معطيات المعادلة السياسية القائمة الآن، والتي وصلت بالموقف الأوروبي إلى هذا الحد من العجز والعطالة. إعداد: حسن ولد المختار