هل نعيش فترة تراجع مؤشرات حرب رابعة في المنطقة بعد نشر تقرير الـ16 جهاز استخبارات أميركياً (NIE) في تقييم صدر قبل أسبوعين يؤكد "وبثقة كبيرة" أن إيران أوقفت سعيها لامتلاك سلاح نووي في عام 2003؟ مع استمرار وتسريع وتيرة التخصيب. هذا التقرير الاستخباري الذي وصفه مندوب أميركا في الأمم المتحدة زلماي خليلزاد بأنه كمن سجل هدفاً في مرماه. والذي لم يبرئ إيران مع ذلك كلياً، مما يبقي الرئيس بوش مصراً على مواقفه المتشددة بأن إيران لا تزال تشكل خطراً، وبالتالي نرى خطر العمل العسكري يتراجع ولكن دون أن يتلاشى تماماً. وفي المقابل رحب الرئيس الإيراني المنتشي بـ"النصر" بالتقرير كخطوة جيدة من واشنطن يجب أن تتبعها خطوات أخرى. أما خيارات واشنطن الحالية فعلى رأسها تفعيل العقوبات وسط تردد واضح من حلفائها في المنطقة والمجتمع الدولي في الاصطفاف معها في موقفها المتشدد، خاصة بعد نشر تقرير الاستخبارات الأميركية. وفي الوقت الذي شعرت إيران والبرادعي ومعارضو الحرب بأنهم كانوا على حق وأن أميركا على خطأ حين بالغت في قدرات إيران، ومع شعورنا كدول وشعوب في المنطقة بنوع من الارتياح مع تراجع مؤشر التصعيد والحرب، فإن الطرف الوحيد الذي شكك في التقييم كان إسرائيل مع فريق "المحافظين الجدد" طبعاً. وفي مقابل هذا التراجع في التصعيد والتوتر الوقتي، يرتفع مؤشر احتمال التوصل إلى صفقة بين واشنطن وطهران في سنة بوش الأخيرة انطلاقاً من العراق، في تقاطع للرغبتين الأميركية والإيرانية لتشمل نقاط تماس أوراق القوة الإيرانية، ومسرح تنافس المشروعين الأميركي والإيراني من سوريا وملف السلام إلى استحقاق الرئاسة اللبنانية وأدوار حلفاء طهران، "حماس" و"حزب الله". لاشك أن التطورات المتسارعة تساعد عموماً على ذلك، وإن لم تؤد لعقد صفقة ما بين الخصمين فإنها بلاشك ستجعل فرص اندلاع حرب خياراً صعباً. وبالتأكيد فإن مقاربة بوش المبالغ فيها قبل شهرين وحديثه عن احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة إذا امتلكت إيران سلاحاً نووياً، لم تعد تقنع الكثيرين الآن. من حقنا أن نقلق في دول مجلس التعاون الخليجي من التصعيد ومن التهدئة الإيرانية الواضحة في العراق باعتراف واشنطن نفسها. ومن حقنا كذلك أن نقلق من الحرب ومن الصفقة. فنحن نتابع التقلب والتناقض الأميركي البارز والمقايضات الإيرانية. وكل ذلك لا يطمئننا للنوايا وللنتائج، لأننا نرى الأمر ونقيضه بين واشنطن وطهران: تصعيد ثم تراجع في الملف النووي، وتحذير من خطر البرنامج النووي عام 2005، ثم و"بثقة كبيرة" إلغاء لذلك الخطر. ومن الغزل والتقارب والتفاوض الإيراني الأميركي حول العراق إلى تعثره ثم عودته من جديد، وما قد يتبعه من تفاوض حول ملفات أخرى وتقاطع المصالح بين الخصمين تكون نتائجه على حسابنا شعوباً وأنظمة. وليس بدون معنى تصريحات ممثل مرشد الثورة الإيرانية في المجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني بأنه بالرغم من وجود خلافات استراتيجية بين إيران وواشنطن إلا أنه يمكن أن تجمع إيران والولايات المتحدة مصالح مشتركة إذا عمدت واشنطن إلى تغيير سياستها وتوجهاتها في المنطقة. ولذا نبدو في المنطقة وكأننا نعيش على رقعة شطرنج كبيرة يتم تحريكنا فيها كبيادق في لعبة مقايضات وتنازلات بين واشنطن وطهران وغيرهما من غير العرب على حساب أمننا ومصالحنا العربية، من عملية السلام إلى العراق ومن لبنان إلى الأمن الخليجي. وجميع الملفات قابلة للمقايضة بما فيها الورقة النووية. والسؤال المُحرج الذي يطرح نفسه: هل سنبقى عرباً وخليجيين متابعين متحسرين وقلقين ننتظر ما يقرره الآخرون لنا سواء كان حرباً أم صفقة؟ أين مشروعنا وصفقتنا نحن؟ إلى متى نرضى أن نبقى بيادق وضحايا في لعبة الشطرنج الكبيرة التي تلعبها واشنطن على مسرح الشرق الأوسط الكبير مع آخر ضلع من "محور الشر". والذي قد لا يبقى كذلك بعد الصفقة التي قد تعقد ولو بعد حين.