كثيراً ما أُعجب العرب بالتزام الألمان بلغتهم واعتزازهم بها، لدرجة أن سائق سيارة الأجرة يرفض الحديث إلا بالألمانية. وبالإضافة إلى ذلك، كان العربي ينبري للانبهار بالياباني حين يجل ثقافته ويصل بها إلى درجة التقديس والتولع. وكان أيضاً يجد الأعذار لسياسات أوروبا وأستراليا ضد العمالة المهاجرة، لمعرفته اليقينية بأنها عمالة من شأنها أن تزيد من الأزمات الاجتماعية وتفاقم من ظاهرة البطالة والجريمة لدى الشعوب التي تستقبل هذه العمالة. فلكل شعب حقه في أن يدافع عن ذاته وكينونته بأي شكل، ومن حقه أن يعتز بهويته ولغته ويجعلها جزءاً من التعاملات اليومية في كافة شؤون الحياة. وعلى الرغم من كونه حقاً طبيعياً ومفترضاً، فإن هناك من يرىأن الوطنية شكل من أشكال العنصرية! بمعنى أن التركيز على الوطنية وعلاقتها بالمواطَنة وحقوقها وواجباتها لغة يجب أن تُصادر لأنها غاية في العنصرية المرفوضة بأي شكلٍ كانت. هذا المقياس الغريب والمستهجن لا ينطبق إلا على بعض مواطني الدولة، فإذاً ليس من حقنا كمواطنين في دولة الإمارات أن نحتفل بالعيد الوطني ونعلق أعلام البلاد على قلوبنا أو حتى أن نعلم الصغار نشيدنا الوطني، فحري بنا أن نكون الدولة العالمية التي بلا شكل أو فكر أو لسان، مجرد مسخ غريب حتى يرضى بها من يريدها على هذا النحو! ولم يكن غريباً أن تكون أسماء البعض معلقة على قائمة السؤال في قضية التشهير بالدولة، فهنا دولة بها قانون وشعب أصيل مستعد لأي شكل من أشكال الرفض، إذا كان الأمر يمس كرامة هذه البلاد وسمعتها. فقد حسبت ذات نهار شتائي عذب أنه لم يعد هناك من يمكن أن نتهمه بمصادرة حق العشق لتراب هذا الوطن، وحسبت أننا جميعاً دون استثناء، مواطنين وعربا وأجانب نحب هذه الدولة ونعتز بكونها القلب الكبير الذي احتوى الكثيرين، وقدم لهم الحياة على طبق من فرص وذهب حين كانت الحياة أصعب من أن تُطاق. الفكرة هنا ليست الدفاع عن الوطنية أو المواطن لأنها قضية محسومة، حسمها التاريخ والجغرافيا وكيمياء الأبدان المفطورة على حب المكان الذي تنمو وتترعرع فيه. القضية تستدرك فقط جدوى مثل هذه الأحاديث وسبر غور الكثيرين ممن نحسب أنهم ذابوا في تفاصيلنا.إن الولاء والانتماء يعبران عن شخصية سوية متوازنة في تحليلها وتفسيرها لما حولها. وهذا يعيدنا للمقدمة السابقة، لِمَ نغبط الآخرين على ولائهم المفرط لأوطانهم، ونتهم ذواتنا بالعنصرية حين نحب هذا المكان ونعشق ملح بحره ويباب رماله؟ سؤال صعب... الإجابة عليه أكثر من بسيطة!