تتميز دولة الإمارات باقتصادها الحُر وتتقدم بذلك على كثير من المجتمعات التي لا زالت منغلقة على نفسها ومغلقة على الآخرين، وهذا هو نهج النشأة الأولى. وأي تراجع عن ذلك ليس من مصلحة الدولة مهما كانت المبررات لأن ما نحن عليه من الرقي والتقدم عنوان هذا البناء الراسخ منذ عقود، وهو جزء من عملية الانفتاح والاندماج مع العولمة الإيجابية. ليس هناك مسار للتماثل في عملية التكيف الاقتصادي مع الآخرين وخصوصاً من الغرب المتقدم في شقيه الأوروبي والأميركي، وكل ما هنالك أن لدينا من المرونة الكافية للتعامل مع الجميع وبناء أنظمة وقوانين وتشريعات تتواكب مع المتغيرات العالمية، وهذا جزء أساسي في العملية الاقتصادية برمتها. وعليه فإن لكل "اقتصاد" في أي مجتمع نتائجه الإيجابية وكذلك بعضا من إفرازاته السلبية، ونحن في هذا الإطار نمر هذه الأيام بهذه الدورة الاقتصادية التي شابتها موجات من "التضخم" التي لم نكن نسمع عنها قبل عقد، وكذلك صاحبت ذلك ارتفاعات في الأسعار أقرب أحياناً إلى الخيال ولكنها عين الواقع وليس أدل على ذلك من وجود بعض السلع وفي نفس المركز التجاري بسعرين مختلفين بل ومضاعفين أيضاً. وهنا المفصل في تأثر الاقتصاد سلباً بذلك لأن آلية السوق هي التي بدأت تطغى على القوانين التي تحكم الاقتصاد في مجمله، أما في الجزئيات فهناك أمر يجب تداركه قبل أن نفقد الخيط الرفيع من بين أيدي الجهات المسؤولة وانتقاله إلى أيدي بعض التجار وأصحاب المال والأعمال الذين يضعون لأنفسهم موازين بلا قسط. لو قارنا أنفسنا بالدول التي تتميز باقتصاد محرر، بمعنى أن آلية العرض والطلب هي الحكم الرئيسي، إلا أن التشريعات تتدخل، فالحكومة لها الكلمة الفصل إذا جار الطلب على العرض أو العكس وهذا واضح في مسألة الاقتصاد الذي يعتمد أسلوب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والتي عليها العبء الرئيسي في الدورة الاقتصادية العامة في مجتمع معروف كأميركا. الأمر الآخر الذي بدأ يتغلغل بين أصابع الاقتصاد الحر في مجتمعنا، والذي بحاجة سريعة إلى تدخل الحكومة لوقف هذه العملية التي تركها يعني التخلص من الطبقة الوسطى في المجتمع، وخاصة أن إجراءات الحكومة الأخيرة في زيادة رواتب موظفيها وبنسبة معتبرة هي 70% جاءت لعلاج جزء من أصل المشكلة العامة، لأن من البدهيات أن لا يقوم القطاع الخاص بسرقة هذه المكرمة من أفواه المحتاجين الفعليين لأن مصدر رزقهم الوحيد فقط الراتب لا غير. والغريب في الأمر هنا أن بعض التجار من أصحاب النفوس الجائعة والعيون الراغبة في قطف البهجة من قلوب الفرحين بهذه الزيادة الضرورية، انتهزوا الفرصة التي تحدث عنها "كيسنجر" في نظريات سياسية لتطبيقها حرفياً على الاقتصاد حتى يتمكنوا من منافسة قارون في خزائنه. بعد هذا الفلتان الذي نشر على صفحات الجرائد وغيرها من وسائل الإعلام كجزئيات يومية، أصبح من الضروري بمكان إعادة النظر في الكثير من التشريعات الاقتصادية التي كانت من ثمرات البداية، ولكننا اليوم لسنا كالأمس في كل مجريات حياتنا الاقتصادية وهذا هو المنطق المقبول للتعامل مع كافة المستجدات وفق آلة الزمن الذي نعيش وليس الذي عشناه منذ سنين، فالإمارات اليوم تمضي بخطوات حثيثة على طريق الأمم المتقدمة في كل شؤونها ولا نرضى لها إلا بذلك، وإن كانت هناك تضحيات تقدم على هذا الطريق، إلا أنها لا ينبغي أن تكون على حساب احتياجات الإنسان بالمفهوم العام، لأن المعوز لا ينتج حضارة ولا يساهم في أي تطوير.