يعتبر غياب بينظير بوتو عن الساحة السياسية في باكستان خسارة ليس فقط للشعب الباكستاني الصديق، بل للقوى الديمقراطية المحبة للسلام والتحول الديمقراطي السلمي في كل أرجاء المعمورة خصوصاً العالم الإسلامي والعالم العربي. عائلة بوتو في باكستان رغم المآسي الأسرية التي أدت إلى إعدام رئيس الوزراء السابق ذوالفقار علي بوتو واغتيال ابنته ومقتل اثنين من إخوتها في ظروف غامضة، قدمت لباكستان تضحيات جسيمة في محاولتها لتعزيز الديمقراطية والتعددية السياسية وتحسين أوضاع الفقراء، وبدء العمل في مشروع القنبلة الذرية وتكريس باكستان كدولة راسخة في عهد بوتو الأب. ويأتي اغتيال ابنته لأنها كانت عازمة على محاربة التطرف والأصولية وكل القوى الإرهابية في باكستان والمنطقة، لذلك لا غرابة من حدوث أربع محاولات لاغتيالها بعد عودتها لباكستان الشهر الماضي. ما هي الأطراف التي تعادي بينظير بوتو والتي حاولت محاربتها في باكستان؟ الجماعات الأصولية الإسلامية التي ترفض رؤية بوتو لتعزيز الحداثة والديمقراطية وحكم القانون. فهذه القوى لا تريد بروز زعيمة قوية شابة تسعى لتعزيز الديمقراطية ولها اتصالات واسعة مع الغرب والعالم العربي والإسلامي. أما القوى الأخرى التي حاربت بوتو فهي المؤسسة العسكرية، لأن الفقيدة لا تؤمن بتدخل الجيش في السياسة لأن ذلك يضعف المؤسسات الديمقراطية في باكستان. ويشارك بينظير بوتو وحزبها -حزب الشعب الباكستاني- حزب رابطة المسلمين بقيادة نواز شريف رئيس الوزراء السابق الذي يؤمن مثل بينظير، إيماناً مطلقاً بعدم إعطاء دور سياسي للجيش في البلد. ماذا يعني اغتيال بوتو وغيابها عن الساحة السياسية؟ من الصعب التكهن الآن بمستقبل باكستان بعد غياب المرشحة القوية لرئاسة الوزارة. وحتماً سيقود هذا الاغتيال باكستان إلى مرحلة من الفوضى وعدم الاستقرار، فالضحية الأولى لهذا العمل المشين هي الانتخابات البرلمانية القادمة، التي من المفترض أن تجرى يوم 8 يناير المقبل. رئيس الوزراء المؤقت أعلن أن الانتخابات سوف تجرى في وقتها، لكن بعض المراقبين يرون أنه ربما تؤجل الانتخابات حتى تهدأ الأمور وتقل الفوضى والشغب والقتل في الشارع الباكستاني. هنالك احتمالات لأن يعيد الرئيس مشرف إعلان حالة الطوارئ مرة أخرى، لكن ذلك مستبعد حالياً لأنه تم رفع حالة الطوارئ قبل مدة قصيرة. والقوى الديمقراطية في باكستان ومنها حزب بوتو "الشعب" وحزب نواز شريف -حزب رابطة المسلمين- تعارض عودة حالة الطوارئ. والضحية الثانية لغياب بوتو، هو تحالف القوى المعتدلة، فالدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، كانت تأمل بقيام تحالف بين الجنرال مشرف وبينظير بوتو من أجل ترسيخ الاستقرار والأمن في باكستان وجارتها أفغانستان. إن مشروع علمنة الدولة في باكستان وإبعاد باكستان عن هيمنة الجماعات والأحزاب الإسلامية المتزايد نفوذها في باكستان والمنطقة، لن يرى النور اليوم بعد رحيل بينظير بوتو، وخصوصاً أن قيادة حزب الشعب قد اتهمت الحكومة بعدم توفير الحماية الكافية للراحلة مما أدى إلى اغتيالها. وأخيراً، نرى أن من مصلحة دول الخليج دعم وتأييد القوى المحلية في باكستان، والقوى العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة والدول الغربية الساعية إلى ضمان الأمن والاستقرار في باكستان والمنطقة ككل، حتى لا تسقط هذه الدولة المهمة بيد قوى التطرف والإرهاب، مما قد يؤدي إلى حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط والعالم ككل.