شهدت الإمارات، كما باقي دول العالم، أمس الأول احتفالات رأس السنة الميلادية الجديدة 2008، وتقريباً هذه هي المرة الأولى، لا أذكر أن حدث من قبل، التي تثير فيها هذه الاحتفالات جدلاً إعلامياً محلياً بهذا الحجم، ويتفق معي في هذا الرأي كثيرون. وقد دار ذلك الجدل حول ما يعتبر بعض الكتاب والمثقفين بأنه تهديد للهوية الإماراتية الإسلامية بسبب كثافة الاحتفالات بأعياد الكريسماس في المراكز التجارية "المولات" وغيرها من الأماكن العامة. وفيما اعتبر البعض أن التركيز على هذه الاحتفالات يتعارض مع القيم المحلية للإمارات، فقد ذهب فريق ثانٍ إلى إجراء مقارنة بين الاحتفالات بأعيادنا الإسلامية والوطنية من جهة والاحتفال بأعياد الكريسماس، وقد سمعت تلك المقارنة من أكثر من شخص بين مواطن ووافد، معتبرين أن هناك تعمداً وقصداً في تركيز وإطالة هذه المحلات التجارية في الاحتفال بعيد الميلاد، وبمظاهر وأنماط جذابة تختلف عن الأعياد الإسلامية، وهو ما يعتبره هؤلاء تهديداً للهوية الإماراتية والإسلامية. أذكر أنه، بمجرد أن بدأت المراكز التجارية الكبيرة والفنادق والأماكن العامة، استعداداتها للاحتفال بهذا اليوم؛ الذي تخلله الكثير من مظاهر الاحتفال والطقوس الدينية مثل شجرة عيد الميلاد التي تنبت في ثلوج أوروبا، وانتشار مجسَّمات وصور "بابا نويل" والأضواء المتعلقة بهذه المناسبة، حتى بدأ همس الناس، مواطنين ووافدين، وظهرت تحقيقات صحفية وأعمدة رأي بعضها محلية وبعضها عربية، مسلطة الضوء على مخاوف بعض الفعاليات الإماراتية على الهوية، ومبرزة الأمر أنه ليس في صالح أبناء الإمارات مستقبلاً، وأن مثل هذه الاحتفالات قد تختطف الهوية الإماراتية أو تلغيها بمرور السنوات، لاسيما في ظل وضعنا السكاني الذي يظهرنا أننا أقلية. هوية الإمارات الدينية هي: الإسلام، وليس في ذلك شك، وهي لها أعيادها المقدسة ولكن تواجد عدد كبير من الوافدين من بين أكثر من 180 جنسية مختلفة في الدولة، لأسباب اقتصادية في الدرجة الأولى، سبب كافٍ للسماح لهم بإقامة احتفالاتهم وأعيادهم، حتى وإن كان الأمر لن يكون مسموحاً في الغرب لقيام المسلمين بممارسة أعيادهم، كما ذكر أحد كتاب الرأي. أما من جانب آخر، فإن التناول الإعلامي لتلك الاحتفالات ربما يشير إلى أن هناك رفضاً من المجتمع الإماراتي لهذه الاحتفالات لأنها تهدد هويتنا، وهو أمر يدعوني إلى التساؤل والاستغراب عما إذا كانت هويتنا من الهشاشة والضعف إلى درجة أننا نخشى عليها من أن احتفالات الآخر بأعياده قد تضعفها أو تطمسها كما ذكر أحد أعضاء المجلس الوطني. الراصد لما تم تناوله، لا يستطيع أن يخفي دهشته واستغرابه إزاء هذه المخاوف والتشكيك في مدى قدرة هويتنا على التماسك والتطور والتفاعل مع الآخر، رغم أن هناك من الشواهد ما يؤكد أن إلغاء احتفالات عيد الميلاد لن يقلص ما يعتبره البعض خطراً على هويتنا، لأنني أعتقد جازماً أن الأجانب لن يكفوا عن الاحتفال بأعيادهم، ولن نستطيع أن نمنعهم من ذلك، كما أن هذا ليس وارداً في إمارات التسامح والتعايش، وخاصة أن شعبنا كثير السفر والترحال ويبقى على احتكاك دائم مع بقية الشعوب والاحتفالات على مدار العام؛ كما أن النصف أو أكثر من المقيمين ينتمون إلى نفس ديانتنا الإسلامية. ترديد هذه المخاوف، في الصحف والمنتديات، يعطي انطباعاً بأن هوية الإمارات هشة وضعيفة، وأنها لا تقوى على الوقوف في مواجهة احتكاك أو تفاعل مع الآخر وكأنها غير موجودة في نفوس مواطنيها وفي حياتهم اليومية وفي كل مكان ومع أي مناسبة. أعتقد أنه بدلاً من المطالبة بمنع إقامة مثل هذه الاحتفالات، كما طالب البعض، وإثارة المخاوف حولها، علينا أن نتحرك لتعزيز هويتنا وتقويتها عن طريق تعزيزها في المناهج التعليمية والأنشطة الاجتماعية كي تكتسب أكبر قدر من المناعة والمقاومة في مواجهة أي رياح خارجية والأنشطة التربوية وجميع التفاعلات الاجتماعية والإعلامية والثقافية. محمد خلفان الصوافي sowafi@hotmail.com