يُشار إلى الإبادة في معظم الأحيان بكلمة "هولوكوست"، وهي كلمة يونانية تعني "حرق القربان بالكامل"، (وتُترجم إلى العبرية بكلمة "شواه"، وتُترجم إلى العربية أحياناً بكلمة "المحرقة"). وفي الوقت الراهن، تُستخدَم كلمة "هولوكوست" في اللغات الأوربية للإشارة إلى أية كارثة عظمى. فيشير الصهاينة، على سبيل المثال، إلى "الزواج المختلط" بين اليهود بأنه "الهولوكوست الصامت". وحينما يُصعِّد العرب من مقاومتهم للمستوطنين الصهاينة فإنهم -حسب المصطلح الصهيوني- يهددونهم بالهولوكوست. واستخدمت إحدى الصحف هذا المصطلح للإشارة إلى إحدى صفقات أسلحة "الميراج" بين ليبيا وفرنسا. كما استخدم أحد المتحدثين الصهاينة كلمة "هولوكوستي" وهي اسم صفة مشتق من هولوكوست، فأشار إلى أحد الأفلام بأنه ليس "هولوكوستي" Holocausty بما فيه الكفاية. وهذا الاستخدام المستمر والممجوج للمصطلح يؤدي إلى نتائج كوميدية أحياناً. إذ تساءل أحد دعاة حماية البيئة في نبرة جادة قائلاً: "كيف يمكن أن نستنكر الهولوكوست ضد اليهود، ونحن نذبح ستة مليون دجاجة يومياً؟"، أي أنه ساوى بذلك بين الطبيعي والإنساني، وبين الدجاجة واليهودي، ودفع بالنموذج العلماني الشامل إلى نتيجته المنطقية وأطلق استنكاره هذا. ويتم في الوقت الحاضر الاتجار بالهولوكوست وتوظيفها بشكل ممجوج لخدمة الأهداف الصهيونية والتجارية. وقد ظهرت مجموعة من المصطلحات المشتقة من كلمة "هولوكوست"، والتي تُعبِّر عن الاستياء العميق من عملية التوظيف هذه. فنحت أحد الكُتَّاب كلمة "هولوكيتش" Holokitsch لوصف الكُتب والأفلام عن موضوع الهولوكوست، والتي تُنتَج وتُنشَر بهدف تحقيق الربح، حيث إنها تحاول إثارة العواطف واستغلالها على أسوأ وجه. وكلمة "كيتش" في اللغة الألمانية تعني الأعمال الفنية الشعبية الرديئة. كما ظهرت عبارة "هولوكوست بيزنس" أي "مشروع الهولوكوست التجاري"، بمعنى توظيف الهولوكوست تجارياً لتحقيق الأرباح العالية. ومن العبارات الأخرى المتواترة عبارة Holocaust mania، أي "الانشغال الجنوني أو المرضي بالإبادة". وترتبط ظاهرة توظيف الإبادة بالمقدرة الفائقة للمجتمعات الغربية الحديثة على "حوسلة" كل شيء، أي تحويله إلى وسيلة، دون أي اعتبار لقداسة أو محرمات، ويحدث الشيء نفسه بالنسبة للإبادة، التي يتم توظيفها. ومن أهم أشكال توظيف الإبادة لصالح الصهيونية هو استخدامها كسحابة كثيفة لتبرير الفظائع التي ارتكبتها وترتكبها الدولة الصهيونية ضد الفلسطينيين. كما تُوظَّف الإبادة في جمع التعويضات التي تمول الكيان الاستيطاني الصهيوني. ومن المعروف أن هذه التعويضات التي تلقتها الدولة الصهيونية أنعشت الاقتصاد الإسرائيلي، ومكنت الدولة الصهيونية من شراء مزيد من الأسلحة والمستوطنات والقنابل العنقودية! والتعويضات تعني، في واقع الأمر، حصول إسرائيل (وبعض أعضاء الجماعات اليهودية) على مقابل مالي تعويضاً عن الآلام التي لحقت بهم. وهذا يخفف من البُعد الأخلاقي للقضية، إن لم يكن يلغيه. ففي موقف مماثل رفضت الصين أن تتقاضى تعويضات مالية من اليابان على جرائمها ضد الصينيين، باعتبار أن قبول التعويضات فيه تنازل عن الحق الأدبي، وفيه تخلٍّ عن المنظور الأخلاقي (المطلق) حيث تتحول القضية إلى ما يشبه المقايضة. ويُعد كتاب "نورمان فنكلشتاين" صناعة الهولوكست: تأملات في استغلال المعاناة اليهودية بمثابة احتجاج موثق بالأدلة والبراهين على توظيف موضوع الهولوكوست وتحويله إلى صناعة ترمي إلى خدمة المصالح الصهيونية السياسية. ويلاحظ "فنكلشتاين" أنه مع نمو صناعة "الهولوكوست"، أخذ المنتفعون من هذه الصناعة يتلاعبون في أرقام الناجين، وذلك بغرض المطالبة بمزيد من التعويضات، وبدأ الكثيرون يتقمصون دور الضحية. ولكن وفقاً للحسابات الرياضية البسيطة، كما يقول "فنكلشتاين"، يتبين أن هذا التلاعب يؤدي في واقع الأمر إلى تقليل عدد الضحايا الذين يُقال إنهم أُبيدوا: وهكذا ينتهي الأمر برقم ستة ملايين إلى أن يصبح من الصعب التمسك به أو الدفاع عنه. ويعلِّق "فنكلشتاين" على هذا الأمر ساخراً فيقول إن القائمين على صناعة "الهولوكوست" يتحولون تدريجياً إلى منكرين للإبادة. وقد تلقت إسرائيل مليارات الدولارات في شكل تعويضات جماعية عن الإبادة، وكمعونة تدعم قيام ونمو إسرائيل (بلغت 3.5 مليار مارك ألماني وفقاً لاتفاق أديناور -بن جوريون المعقود في عام 1953)، بخلاف التعويضات الشخصية التي دفعتها ألمانيا للضحايا الناجين. وقد اعتقد بن جوريون حينها أن عدد الناجين صغير نسبياً، مما سيوفر أموالاً كثيرة ستتبقى لإسرائيل من المبلغ الذي ستحصل عليه من ألمانيا. وعلى الرغم من هذه المبالغ الطائلة التي تلقتها إسرائيل، فإن "رافي إيتان"، وزير شؤون المتقاعدين، يسعى حثيثاً لإعادة فتح اتفاق التعويضات مع ألمانيا، بحجة أن مئات الملايين التي دُفعت لإسرائيل في الخمسينات لم تأخذ بالحسبان العمر الطويل للناجين من الكارثة وهجرة 175 ألف ناجٍ من مهاجري دول الاتحاد السوفييتي السابق إلى إسرائيل. كما طالب الوزير بزيادة التعويضات الشخصية للناجين الذين يعيشون في إسرائيل، نظراً لارتفاع كلفة إعاشتهم مع وصولهم لسن الكهولة. كما انطلقت العديد من المطالب من أبناء الجيل الثاني من الناجين بأن تقوم ألمانيا بتمويل علاجهم لهم تكلفة العلاج النفسي. وقد تعرض هذا الأمر لانتقادات حادة من الصحف الإسرائيلية التي وصفته بأنه نوع من الابتزاز السياسي والتزلف. فنادت "هآرتس" في 12 نوفمبر2007 بـ"لنترفع عن صدقات ألمانيا"، وأضافت أن "دولة إسرائيل ليست محامية الناجين من الكارثة حيال ألمانيا، بل ينبغي أن تحرص على أمن ورفاه كل سكانها وشيوخها، ممن ولدوا هنا، أو نجوا من النازيين أو هاجروا لتوهم إليها". كما أوردت يديعوت احرونوت في 25 نوفمبر2007 مقالاً للكاتب "نوح كليغر" بعنوان "مع أننا لن نغفر لألمانيا قتل الملايين طالما بقينا أحياء، فإن فتح اتفاقية التعويضات... ابتزاز"، حيث يتحدث فيه عن تحول مطالب التعويضات من ألمانيا إلى نوع من الابتزاز السياسي. ويضيف "رغم كوني من الناجين من معسكر أوشفيتس النازي ومن الحاصلين على مخصصات شهرية من ألمانيا، أجد نفسي ملزماً بالتحفظ من مطلب الوزير "رافي ايتان" بفتح اتفاقية التعويضات مع ألمانيا." وهو مطلب يؤيده فيه "نوح فلوغ"، رئيس "مركز المنظمات"- الهيئة التي تُوحِّد كل مؤسسات الناجين من الكارثة النازية في إسرائيل. ووصلت موجة الاعتراض إلى أقصاها في مقال "أريك بخر" في معاريف في 12 نوفمبر 2007 بعنوان "إلى متى نهرس الليمونة الألمانية؟"، والذي يقول فيه إن "ثمة شيئاً نتناً في محاولة الوزير رافي ايتان إعادة فتح اتفاق الدفعات، الذي وقعته إسرائيل قبل سنوات مع ألمانيا التي نهضت من خرائب الإمبراطورية النازية، حتى وإن كانت محقة ظاهرياً حجج إسرائيل بأن الاتفاق إياه لم يتوقع بدقة المستقبل، فقد كان من الأفضل لو أن القيادة الحالية للشعب اليهودي سمحت لهذا الابن غير الشرعي- أي الحساب المالي على جرائم الكارثة- بأن يموت". ويضيف: "يقترح الوزير إيتان على الألمان إعادة فتح المحفظة، ليروا كم هم مستعدون لأن يضيفوا من أجل إغلاق ذاك الحساب. وهذه المرة، حسب التقرير في معاريف، فإنه مستعد بأن يتعهد بأن تكون إسرائيل نظيفة تماماً من ناجي الكارثة في موعد لا يتجاوز العام 2025. "الناجون الكارثة على أجيالهم يبدأ لعابهم يسيل من أطراف أفواههم، في كل مرة تذكر فيها الصلة المالية بالكارثة. وحتى المثقفون اليهود في الولايات المتحدة، من بين أولئك الذين لا يحبون صهيون، بدأوا في السنوات الأخيرة يهاجمون المؤسسة اليهودية على أنها حتى بعد أكثر من ستين سنة من تحرير معسكرات الموت، فإن رائحة المال لا تزال تحوم في الهواء. ويختتم المقال بالكلمات التالية: "ولكن المثير أكثر للحفيظة هو حقيقة أن دولة إسرائيل غير مستعدة لأن تدخل يدها في جيبها ذاتها، وأن تستغل ولو جزءاً من الفضل في الميزانية الذي ينتجه هنا أحفاد أولئك الناجين كي تعالج كما ينبغي شؤون جدهم وجدتهم فيما تبقي لهما من حياة". والله أعلم.