عندما يصل الرئيس الأميركي جورج بوش الابن إلى الإمارات -وهو أول رئيس أميركي يزور الإمارات وهو ما يزال على رأس السلطة- نريده أن يرى واقع هذه البلاد وإنجازاتها الحضارية.. نريده أن يرى جيداً أن هذه الأرض في هذه المنطقة ليست أرض حرب وصراعات.. نريده أن يرى أن هناك أعمال تنمية وبناء، وهناك خططاً للتطوير والإنشاء، وهناك استراتيجيات توضع لسنوات طويلة للتنمية من أجل الإنسان. نريد بوش أن يرى الجهود التي يبذلها حكام الإمارات والخليج من أجل الارتقاء بشعوبهم... نريده أن يرى كل ذلك، ليس كي يصفق لنا أو يقول "برافو"، وإنما كي يعرف أن الناس في هذه المنطقة لا يعملون للحرب ومن أجل الدمار، وإنما يعملون من أجل البناء ومن أجل مد جسور التواصل الفكري والثقافي والاقتصادي بين شعوب العالم.. وأن دول المنطقة تسعى في النهاية لأن تعيش مع الجميع بسلام ومحبة.. وما نريد أن نؤكده أننا لا تنقصنا الحروب وإنما ينقصنا قليل من الوقت الهادئ كي نستمر في التفكير بصفاء في استكمال عملية بناء أوطاننا بصورة تجعلها مكاناً آمناً يعيش فيه الجميع بسلام. بالأمس بدأ الرئيس الأميركي جورج بوش جولته التاريخية إلى المنطقة بزيارة إسرائيل، وسيكمل جولته بزيارة الضفة الغربية والكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وستكون مصر محطته الأخيرة في هذه الجولة التي ستكون يوم 16 يناير، ويفترض أن تتناول لقاءات الرئيس بوش بزعماء المنطقة "التطورات في العراق ولبنان والتحديات الإيرانية والأمن الإقليمي والروابط الاقتصادية والعلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها المقربين". وعلى الرغم من أن هذه الزيارة تأتي في الوقت الضائع من رئاسة بوش إلا أنها مهمة. وإذا كانت الإدارة الأميركية جادة في الوصول إلى نتائج من خلال هذه الزيارة فلابد أن تصل إلى حلول لتلك التطورات في المنطقة، وألا يعود بوش إلى البيت الأبيض إلا وقد وضع تصورات عملية للأزمات العديدة التي يعرف الجميع أنه لا أحد غير الولايات المتحدة يستطيع حلها.. أما إذا لم يحدث ذلك فإن هذه الزيارة ستكون مجرد مناسبة جيدة لالتقاط الصور التذكارية للرئيس الأميركي مع زعماء المنطقة كي يضيفها إلى ألبوم صوره وذكرياته خلال فترة رئاسته. بعد سبع سنوات من جلوسه في البيت الأبيض لم يقدم فيها أي شيء للعرب، ما الذي يمكن أن يقدمه بوش للمنطقة خلال زيارته المكوكية هذه؟ هل سيقدم سلاماً هشاً للفلسطينيين بعد أن خربت إسرائيل خريطة الطريق، وبعد أن حولت اعتداءاتها اليومية مؤتمر أنابوليس إلى مجرد حبر على ورق؟!.. وماذا يمكن أن يقدمه للعراقيين بعد أن صارت بلادهم دولة فاقدة لأبسط مقومات الدولة؟ هل سيعلن أنه سيخفض عدد قواته في العراق، أم أنه سيعلن انسحابها كلياً من العراق.. وأياً كان الفعل، فالخراب الذي سببته الحرب الأميركية سيحتاج إلى عقود حتى يتم إصلاحه. ناهيك عن القضايا الأخرى كملف الإرهاب الذي ما يزال مفتوحاً على مصراعيه، والملف النووي الإيراني الذي يبدو أنه ازداد تعقيداً بعد تقرير المخابرات المركزية الأميركية (CIA) في ديسمبر الماضي الذي أكدت فيه أن "طهران أوقفت برنامجها النووي منذ عام 2003"... وغيرها من الملفات الساخنة التي لم تحرك فيها إدارة بوش أي شيء باتجاه السلام، وإنما باتجاه مزيد من الحرب! أما نشر الديمقراطية التي وعد بها بوش، فمن الواضح أن إدارته فشلت فشلاً ذريعاً في وعدها "بمنح دول المنطقة ديمقراطية" وها هو يدخل سنة ولايته الأخيرة دون أن يحقق وعده بعد أن اكتشف أن الديمقراطية في بعض دول المنطقة لن تكون في مصلحة الإدارة الأميركية الحالية، بل ستكون ضد مصالحها في المنطقة، ففضل الاستمرار على أسلوبه القديم والتخلي بكل بساطة عن وعوده بالديمقراطية!.. بعد كل هذا، هل يتوقع الأميركيون أن يتم استقبال بوش على أنه رئيس سلام؟ ربما يدور هذا التساؤل في أذهان الكثيرين.. فهل فعلاً كان يريد السلام العادل في فلسطين؟ وهو الذي كان منحازاً دائماً إلى إسرائيل على حساب الفلسطينيين! .. هل كان فعلاً يريد أن يعيش العالم بسلام، وهو الذي أشعل أكثر من حرب في العالم بدأها بالحرب في أفغانستان التي أطلق عليها الحرب على الإرهاب، وأكملها بالحرب على العراق بحجة "امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، والخطر الذي يمثله نظام صدام حسين الديكتاتوري على الأمن والاستقرار الدوليين".. وأراد أن يكمل بحرب جديدة على إيران بسبب برنامجها النووي.. وربما لو جلس في الحكم لأربع سنوات أخرى "لاقترح" حروباً أخرى. إن لم يكن رجل سلام، فهل يمكن أن يتم استقبال الرئيس بوش على أساس أنه أحد أهم صانعي حقوق الإنسان في العالم؟ إذا ما دقق المتخصصون في حقوق الإنسان في حقبة بوش الرئاسية بشكل عادل فسيكون من الصعب أن يحصل الرئيس بوش على هذا اللقب.. فمعتقل جوانتانامو الذي ما يزال مغلقاً على مئات من السجناء الذين ذاقوا ألوان العذاب -دون أية محاكمة- على أساس أنهم إرهابيون وتبين أن كثيراً منهم أبرياء!! هذا أكبر شاهد على أن حقوق الإنسان لم تكن لها أولوية عند ضيفنا الرئيس. أما الذي حصل عليه الأميركيون خلال فترتي رئاسة بوش فهو المزيد من سخط دول العالم -ليس الدول العربية والإسلامية بل كثيراً من دول العالم حتى الأوروبية منها- على الولايات المتحدة، فكثير من دول العالم صارت تضيق ذرعاً من السياسات الأميركية وتماديها في كونها القوة العظمى الوحيدة في العالم، وبالتالي لا تعير أي اهتمام للآخرين. لقد أدى ذلك بشكل تلقائي إلى أن فقدت الولايات المتحدة واحدة من أهم مميزاتها وهي كونها أرض الأحلام لكل من يبحث عن الحرية والعدل والمساواة.. وصارت الولايات المتحدة في تفاصيلها لا تختلف عن أية دولة أخرى في العالم. لا يهمنا كثيراً إن أخفق بوش في فترة حكمه أم نجح، فهذا شأن الشعب الأميركي والناخب الأميركي الذي اختاره دون سواه ليحكم الولايات المتحدة ويحكم العالم لثماني سنوات، ولكن ما يعنينا هو أن يعرف الرئيس بوش أن فترتي رئاسته كانتا أصعب الفترات على العرب وعلى المنطقة، وأن آثارهما السلبية ستدوم طويلاً. ولو لم يفعل الرئيس بوش في ولايتيه غير شيء واحد وهو أنه أثار عش الدبابير "الإرهابيين" فهذا يكفي أن يعرف بأنه ربما اقترف خطأ بأن ساهم من حيث يقصد أو لا يقصد بانتشار الإرهاب والإرهابيين في العالم حتى وصلنا اليوم إلى مرحلة يعجز فيها العالم بأسره عن القضاء عليهم فكلما قضي على بعضهم ظهر آخرون أكثر منهم!.. ومن آثار هذا الأمر أنه أدى إلى إثارة البغض بين المسلمين والمسيحيين بشكل لم يسبق له مثيل.. وبشكل غير مباشر أثار الطائفية اللعينة بين السُّنة والشيعة بعد حرب العراق. كنا نتمنى أن تكون فترة الرئيس بوش الابن أفضل مما انتهت عليه.. كنا نتوق إلى أن يكون قادراً على فعل شيء جيد لقضايا المنطقة، وأن ينهيها وعلى رأسها القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.. ولكن الذي حصل أن الرئيس الأميركي من خلال إداراته "المحافظة جداً" أبى أن يغادر بيته الأبيض إلا وقد زاد القضية الفلسطينية تعقيداً، بل وأشعل المنطقة بأزمة أخرى أكبر وأخطر وهي احتلال العراق وما صاحبها من أزمات.. لو قام الرئيس بما كنا نتمنى منه لاستقبله الناس بالورود والأرز، ولكن شيئاً من أمنياتهم لم يتحقق في عهد بوش الابن، لذا لن يحصل منهم إلا على كرم الضيافة العربية التي لا يمكن أن يتجاهلها العرب.