في إحدى ألعاب الفيديو الجديدة المثيرة للجدل، يُطارد ممارس اللعبة ضحايا أبرياء، ويضربهم على رؤوسهم بجاروف حديدي، ثم يستخدم نفس هذه الأداة بعد ذلك في تقطيعهم إرباً إرباً، وعندما يتدفق الدم من جسد الضحية، فإن المفترض أن يشعر هذا الممارس للعبة بالرضا، ويصبح جاهزاً لمواجهة التحدي التالي. على الرغم من أن اللعبة جرافيكية، فإن السيناريو يبدو محتوياً على جميع سلبيات ألعاب الفيديو: فهذه الألعاب- كما يقول منتقدوها- عنيفة للغاية، وتمجد العنف مما يزيد من احتمال إقدام الأطفال على تقليدها. وفي حين أن هذا القلق مشروع ومفهوم، إلا أنه يغفل في الحقيقة مشكلات أخرى أكثر خطورة، تتعلق بألعاب الفيديو التي نشاهدها اليوم، ألا وهي افتقارها التام للمغزى الأخلاقي. هذا القلق لا يقتصر عليّ وحدي بالطبع، وإنما هو قلق يطال جميع الآباء والأمهات الذين يهولهم كم العنف، الذي تشتمل عليه العديد من ألعاب الفيديو اليوم. وطالما أن الأمر كذلك، فما الذي يدعو أي أب إلى تشجيع ابنه على تمزيق أجساد الأبرياء في لعبة جرافيكية والتمثيل بها حتى يشعر بالإشباع... وما الذي يجعل أي أب يشتري ألعاب فيديو لابنه على الرغم من معرفته بأن هذه الألعاب مصنفة باعتبارها ألعاباً خطرة وغير صالحة للاستخدام لأي أحد يقل عمره عن 17 عاماً. إن الذي يدعوه إلى ذلك هو تلك الفكرة التي لا زالت راسخة في أذهان جيل الآباء، وهي أن ألعاب الفيديو تقدم متعة غير ضارة للصغار مثلها في ذلك تماماً مثل تلك النوعية من الألعاب التي كانوا يشاهدونها في سنوات صباهم في بداية انطلاق صناعة ألعاب الفيديو الآمنة. وقد يكون السبب هو أن الآباء يحبون أن يعتقدوا أن أبناءهم شجعان لا يخافون من مناظر القتل والدم. مهما كان السبب، فمما لا شك فيه أن هناك نوعاً من الانفصال بين ما يريده الآباء ويسمحون به، وبين ما يدعوهم إلى القلق. ومن ضمن الحجج الغامضة التي تُساق في معرض انتقاد ألعاب الفيديو هو أن الأطفال قد لا يكونون قادرين على التمييز بين المواقف"الحقيقية" والمواقف "الافتراضية". لو كان الأمر كذلك لاعتبرنا أن بعض محطات مثلاً بائعاً لا ضمير له يقدم مواد غير مستساغة للأطفال، فعندما يُشّغِل الأطفال التلفزيون ويشاهدون على شاشة تلك القناة مناظر الجنود وهم يطلقون النار ويقتلون بعضهم بعضاً في الحقيقة، فهل هناك أي فارق جوهري بين ما يرونه على الشاشة وبين ما يمارسونه في لعبة من ألعاب الفيديو التي تعج بمناظر القتل والدم. وعندما وقع حادث لإطلاق النار في إحدى المدارس الثانوية منذ عدة سنوات سارعت محطات التلفزة الإخبارية إلى انتقاد صناعة ألعاب الفيديو، واعتبارها السبب الرئيسي وراء وقوع هذا الحادث غير مدركة أنها عندما قامت بذلك، فإنها كانت في الحقيقة توجه اللوم ضمناً لنفسها على أساس أنها تروج مواد حقيقية تتضمن مشاهد للعنف والقتل يمكن للصغار أن يتأثروا بها ويعملوا على تقليدها. والملاحظ في هذا الشأن أن وسائل الإعلام تركز على جانب العنف فقط في الانتقادات التي توجهها لشركات إنتاج ألعاب الفيديو، وتتغاضى عن كثير من المؤثرات الأخرى المضرة التي قد تنتقل للأطفال بسبب إدمانهم على ممارسة مثل تلك الألعاب. من تلك المؤثرات السلبية تلك التي تترتب على التصور الذهني الخاص بالربح والخسارة والنصر والهزيمة: ففي مقابل كل فائز هناك بالضرورة خاسر أو أكثر، وفي مقابل كل منتصر هناك بالضرورة مهزوم أو أكثر، ثم إن الفائز يفوز بكل شيء ولا يترك للخاسر شيئاً. والخاسر يخسر كل شيء ولا يتبقى له شيء، وهو ما يروج لعقلية أن المرء يمكن أن يفعل أي شيء من أجل تحقيق الفوز بصرف النظر عن أي اعتبار آخر. من الناحية الجوهرية تنحصر معظم الألعاب داخل إطار أخلاقي معين وهو الخير في مواجهة الشر(أو العكس).. بيد أن الشيء الذي تفتقر إليه تلك الألعاب بشكل كبير هو المغزى الأخلاقي أو المحصلة الأخلاقية. فأنت عندما تقتل شخصاً أو تسرق شيئاً أو تفجر منزلاً، فإن هذا يجب ألا يمضي من دون عقاب. كما يتعين على مصممي الألعاب أن يراعوا إبراز التأثير العاطفي الذي تحدثه تلك الأفعال على الضحايا لإحياء مشاعر الندم ومنع التعاطف مع الجناة أو التواطؤ معهم. نفس الشيء ينطبق على الألعاب القائمة على التنافس: فالتنافس غير المقيد، أي ذلك الذي يمكنك أن تفعل فيه أي شيء كي تكسب أو تحقق الفوز، يؤدي في النهاية إلى نزع التعاطف عن القلوب ومن دون تعاطف، فإن البشرية تضيع. وأنا لا أدعو في مقالي هذا لفرض المزيد من القيود على شركات ألعاب الفيديو فقط، ولكنني آمل أيضاً في توسيع نطاق الجدل الدائر حول هذه المسألة بحيث يضم موضوعات، لا يُتاح عادة مناقشتها في وسط هذا اللهاث والهستيريا الإعلامية التي نراها أمامنا. فنحن عندما نركز على الآثار المباشرة للعنف المتضمن في ألعاب الفيديو، فإننا نبعد أنفسنا عن مناقشة الأبعاد الأكثر أخلاقية، وهو ما يجعلني أقول إن الوقت قد حان كي يتوقف الآباء عن توجيه ذلك السؤال الذي دأبوا على ترديده دوماً وهو: ما هو الشيء الأنسب لأطفالهم؟ وأن يبدؤوا بدلاً من ذلك في التساؤل حول ماهية الشيء المناسب لهم من الناحية الأخلاقية. ماثيو ديفيرية كاتب أميركي متخصص في الشؤون التقنية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"